*أكثر من 3 آلاف طفل قتلوا بغارات الطيران واسلحة محرمة استخدمها تسببت بتشوهات في الأجنة
الثورة /زهور السعيدي
بيديها الناعمتين الصغيرتين تلتقط حنين كيسها البلاستيكي الكبير”الشوالة” وتهم بالانصراف باكرا إلى عملها اليومي الذي اعتادته كل صباح..
حنين تتوجه إلى سوق الخضار بمنطقة مذبح لتجمع ما أمكنها من الخضار الفاسدة التي يجود بها أصحاب البسطات والسيارات ثم تقوم بتنقيتها وإخراج ما يمكن استخدامه .. حنين نموذج يمثل العديد من أطفال اليمن الذين يقاسون مرارة الألم جراء استمرار العدوان وحصاره العنجهي ، مزيد من التفاصيل في السياق التالي :
حنين ليست الوحيدة التي تذهب كل صباح للبحث عما تسد به رمق إخوتها الأصغر منها سنا بل هناك في ذلك السوق تحديدا وفي غيره من الكثير من الأسواق عشرات الأطفال دون العاشرة يعملون ويبحثون عن قوتهم وقوت أسرهم .
تركت الحرب أوزارها على الأسرة اليمنية وخاصة على عاتق الأطفال الصغار ،الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على العمل الكاد والمتعب وقليل الربح لتحمل مصاريف وأعباء أسرهم الفقيرة والتي لا تكاد تجد قوت يومها وخاصة من تأثروا بالحرب بفقدان معيلهم ورب منزلهم ..
الطفلة حنين والتي تبلغ التاسعة من العمر تتحمل عناء أسرتها رغم الكثير من المخاوف التي تعترضها في الشارع أو وقت القصف وهناك الكثير ممن يعملون بكنس سيارات الخضار أو غسل الفواكه أو لم القمامة من السوق وجميعهم من الأطفال دون العاشرة من الفتيات أو الأولاد تصف معاناتهم أجسادهم النحيلة وثيابهم المتسخة والشقاء المرسوم على وجوههم ..
علب البلاستيك
سعيد سلطان هو الآخر لم يعد يتوجه كل صباح إلى مدرسته التي تركها وهو في الصف الثالث بعد وفاة والده فهو يستقيظ باكرا ليجوب الشوارع للبحث عن العلب البلاستيكية ” القوارير” وتجميعها بكل حماس وسرعة فلا يلهو مع أقرانه ولا يلتفت لأي شيء أمامه فهمه الوحيد أن يجد ما يمكن بيعه من علب المياه الفارغة ويقول سعيد : أبيع الكيلو بمئين ريال يعني “الشوالة” أبيعها بمائتين أحيانا أجمع شوالة في اليوم وأحيانا في يومين وأعطي قيمتها لأمي لتغطي بعضا من مصاريف المنزل
ويضيف سعيد : أتوزع أنا وإخوتي الاثنين على الحارات فهو يذهب إلى مكان لا أجده فيه حتى نستغل الوقت بالتجميع وكثيرا ما نعثر على علب البلاستيك في القمامة ..
هؤلاء الأطفال وغيرهم الذين ينتشرون في أحياء العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية بحثا عن الرزق تحكي البؤس والحالة الاقتصادية السيئة التي وصلت لها الأسر اليمنية جراء الحصار والعدوان الذي يدخل عامه الرابع رغم كل المخاطر التي تحدث لأطفال جراء هذه الأعمال في الشوارع وبين النفايات وبهذا العمر الصغير.
حرمان من التعليم
يوضح تقرير أممي أن تحالف العدوان هو المسؤول عن قتل وتشويه الأطفال في اليمن وأن الغارات تخلف آلاف الأطفال ما بين قتيل وجريح فأكثر من 11 مليون طفل بحاجة إلى المعونات الغذائية ويعاني قرابة مليون طفل من سوء التغذية .
وتسببت الحرب بحسب الإحصائيات الأخيرة في حرمان أكثر من 7 ملايين طفل من التعليم وأكثر من 70 % من النازحين إلى المخيمات هم من الأطفال وتضيف التقارير إلى القصف المتواصل والقتال في الشوارع يجعل الأطفال وأسرهم عرضة لمخاطر العنف والمرض والحرمان وأكثر من مليون طفل عرضة للإصابة بالحصبة والاسهالات والالتهابات الحادة وحوالي 10 ملايين طفل بحاجة إلى الخدمات الصحية والدعم النفسي.
آثار وتداعيات
الآثار والتداعيات الخطيرة للعدوان على الأطفال لم تقف عند حد القتل الجماعي بهم وبأمهاتهم وعائلاتهم بل امتدت لتحرم الملايين منهم من التعليم وتلقي الأدوية والرعاية الصحية اللازمة والتي انعدمت وأصبحت في أدنى مستوياتها بسبب العدوان والحصار الجائر.
ناهيك عن أضرار نفسية خطيرة قد تلازم أطفال اليمن منذ الولادة إلى مراحل متقدمة من حياتهم جراء الممارسات الإجرامية التي اقترفها العدوان بنفس الوحشية التي فتكت بالمدنيين ومقومات حياتهم ومن ذلك حالات ولادة لأطفال مشوهين والتي حدثت في أكثر من محافظة يمنية.
وتقول الدكتورة فتحية الشهابي وهي طبيبة في مركز التوحيد الطبي بمنطقة نقم شرقي العاصمة صنعاء بأن «ولادة الكثير من النساء الحوامل لأطفال مشوهين إنما تعود لاستنشاقهن الغازات المنبعثة من صواريخ وقنابل العدوان السعودي ومختلف المتفجرات والأسلحة المحرمة دوليا التي أثبتت منظمات دولية استخدامها من قبل الطيران السعودي في قصف المدن والمناطق السكنية في اليمن».
كما أن الآثار الناجمة عن العدوان تأخذ أشكالاً متعددة ودرجات مختلفة من الشدة وبحسب أخصائيين فان تلك الآثار تبدأ من الإحساس بالإحباط والقلق إلى الاكتئاب وأشكال اخرى من الأعصاب وقد يصاب بعض الأشخاص بخلل في الوظائف العقلية كالذاكرة أو ضعف التركيز أو الإدراك.
الخوف المرضي
ويؤكد المتخصصون أن الأطفال يظلون أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بما تخلفه الحروب من آثارٍ نفسية.. وتظهر هذه الآثار في عدة صور يذكرون ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الفزع الليلي ومعاناة القلق والشعور بعدم الراحة.
والإصابة بحالة «الفوبيا» أو الخوف المرضي من الأصوات والظلام وكذلك الانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللاإرادي أو زيادة في التبول إلى جانب ظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر والكذب، وظهور مشكلات في الكلام، كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام وكذا حدوث اضطرابات الأكل وغير ذلك من الآثار التي يسعى العدوان بتعمده استهداف الأطفال اليمنيين كما يقول سياسيون وأكاديميون من اجل خلق جيل مضطرب غير قادر على القيام بدوره في حياة البلد السياسية والاجتماعية».
ويشير أخصائيو الطب النفسي إلى أن هذه الآثار قد تتحول إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها».
آمال تتبدد
ومع تواصل العدوان السعودي الذي أصبح يتعمد استهداف المناطق المدنية والمنازل السكنية ملحقا المزيد من أطفال اليمن بسجل الضحايا، فإن «مستقبل الطفولة بات محفوفا بالأخطار» بحسب وصف منظمة رعاية الطفولة الأممية “يونيسف» فجرائم العدوان الكارثي للأطفال في اليمن لا تجد أي تفاعل أو اهتمام من قيادة العدوان ولأن تلك المنظمات لا تحمله مسؤولية ما يجري بصورة صريحة ومباشرة فإنه يستغل ذلك للإيغال في جرائمه بحق أطفال اليمن .
وتشير تقارير «اليونيسف»إلى أن الحرب على اليمن دمرت الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال، وتحذر من أن «عدد القتلى قد يكون أعلى من الأرقام المعلنة».
ويوضح احد تقارير اليونيسيف أن «أكثر من نصف مليون من النساء الحوامل موجودات في المناطق الأكثر تضررا وهن أكثر عرضة للولادة أو مضاعفات الحمل ولا يستطعن الوصول إلى المرافق الطبية».
تقرير المنظمة الأممية للأمومة والطفولة يشدد على أن الأطفال يتحملون العبء الأكبر للصراع في اليمن حيث يتعرضون إما للقتل وإما للإصابة إضافة إلى خطر تعرضهم للأمراض وسوء التغذية والتشريد.
ويحذر التقرير من أن نحو 2.5 مليون طفل معرضون لتهديدات متزايدة من الأمراض وسوء التغذية هذا العام إضافة إلى مليون طفل أصيبوا بأمراض سوء التغذية العام الماضي.
ويقول مسؤولون دوليون إن الأساليب الوحشية التي اتبعها التحالف في حربه على اليمن أدىت إلى مقتل المئات من الأطفال الذين كانوا في المدرسة أو في الشارع أو في البيوت كما تسببت تلك الغارات الوحشية في حالات لا تحصى من قتل الأطفال وتشويههم.
الحد من الآثار
في المقابل يؤكد الأخصائيون على «ضرورة التعامل السليم والرشيد مع الأطفال ضحايا العدوان من الأسرة والبيئة المحيطة ومن دون ذلك فان هذه الآثار ستتحول إلى عاهات مستديمة ومستعصية على العلاج مع مرور الوقت وأن التعامل يتطلّب الكثير من الحرص والدعم لإعادة الطمأنينة إلى الطفل والثقة بالنفس ليتخطى الظروف التي عاشها».
ويشدد الأخصائيون على ضرورة الاهتمام بالتربية النفسية والجمالية للطفل وبثقافة الطفل والطفولة مع التركيز على بث كلمات من الحب أو تشتيت فكرهم عن التركيز في الأحداث المروعة خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد كما يجب اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها .