هدير محمود
تضافرت الحروب الأهلية والمؤامرات الدولية والعمليات الإرهابية والاضطرابات السياسية لتزيد العبء على كاهل محور المقاومة في عام 2017م، لكن على الرغم من كونها سنة كبيسة عجت بالأحداث والتحديات فإن ذلك لم يمنع محور المقاومة من إسقاط كافة المؤامرات وإظهار المزيد من التحدي والإصرار في مواجهة المخططات الصهيوأمريكية التي باتت تتواطأ معها بعض الدول العربية أيضًا.
فلسطين
لا تزال المقاومة الفلسطينية تحتل المشهد الأبرز على الساحة السياسية، خاصة بعد أن أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رصاصته الأولى والأكثر تأثيرًا على الشعب الفلسطيني، بإعلانه في 6 ديسمبر الجاري، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، لينهي عامه الأول بأكثر القرارات السياسية استفزازًا، ويفجر من جديد انتفاضة لا تزال تتوسع لتشمل العديد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، على رأسها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
الانتفاضة الفلسطينية سبقتها في شهر يوليو الماضي، عمليات واسعة نفذتها المقاومة الفردية على خلفية قرارات مثيرة للاستفزاز اتخذتها قوات الاحتلال كان أبرزها نصب بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى لتحجيم دخول المسلمين وفرض أمر واقع مفاده أن الاحتلال بات يسيطر على المكان المقدس، مما أدى لمواجهات استمرت لما يقرب من 3 أسابيع سقط فيها 11 شهيدا و131 جريحا، لكن العملية الأبرز للمقاومة في تلك المواجهات تمثلت في اشتباك مسلح نفذه 3 فلسطينيين من مدينة أم الفحم، وأسفر عن استشهادهم ومصرع جنديين من الشرطة الإسرائيلية، وفي 27 يوليو أزالت إسرائيل جميع التدابير الأمنية من المسجد في محاولة منها لنزع فتيل الأزمة.
على جانب آخر، شهد عام 2017م انتصارًا فلسطينيًا جديدًا على الصعيد الدبلوماسي، تمثل في فوز فلسطين بعضوية منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” خلال سبتمبر الماضي، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها إسرائيل للحيلولة دون ذلك، فإن 75 دولة صوتت لصالح القرار، فيما عارضته 24 دولة، وامتنعت 34 دولة عن التصويت، كما ظهر التفوق الدبلوماسي أيضًا في انتخاب فلسطين ممثلة عن منطقة آسيا والباسفيك في عضوية اللجنة التنفيذية لآلية “وارسو” الدولية للأضرار والخسائر الناجمة عن تغير المناخ في نوفمبر الماضي، وهو ما اعتبرته الحكومة الفلسطينية دليلا على كفاءة دولة فلسطين ومهنيتها.
انتصار دبلوماسي آخر ظهر في التأييد الدولي الذي حصل عليه قرار مصري ينص على أن “أي قرارات تغير أو تحاول تغيير الشخصية والحالة والتركيب الديموغرافي لمدينة القدس الشريف ليس لها أي أثر قانوني وتعتبر باطلة”، وذلك في اجتماع مجلس الأمن الدولي، وهو القرار الذي أيدته 14 دولة فيما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية وحيدة في مواجهته مستخدمة “الفيتو”، ليتبع هذا الاجتماع آخر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أقرت مشروع قرار يرفض تغيير وضع القدس، ويدعو الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وذلك بعد أن صوتت 128 دولة لصالح مشروع القرار، وعارضته 9 دول، وامتنعت عن التصويت 35 دولة.
سوريا
بعد مرور 6 سنوات على اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011م، شهدت سوريا هذا العام تصعيدا لافتا وملحوظا في العمليات العسكرية بالعديد من المدن الاستراتيجية، لينتهي العام بتراجع حدة العمليات وسيادة أجواء من الهدوء في معظم أراضي تلك الدولة التي أصبحت رمزًا للصمود وتحدي محاولات الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وبدأ الحديث عن عمليات إعادة إعمار سوريا، وبث الروح من جديد في اقتصاد الدولة، وإعادة جموع الشعب السوري الذي شردته الحرب وأنهكته إلى مدنه ودياره من جديد.
وخلال هذا العام تمكن الجيش السوري بمساندة القوات الروسية والإيرانية، من دحر تنظيم “داعش” الإرهابي الذي اجتاح معظم أراضي الدولة وكان في إحدى مراحل الصراع يسيطر على ثلث مناطق البلاد، فاستعاد الجيش السيطرة على مساحات واسعة ومدن ومحافظات استراتيجية كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة وإرهابيي تنظيم داعش، وعلى رأسها مدينة حمص التي تم تحريرها في مايو الماضي، وحلب التي شكلت نقطة فاصلة في المشهد السوري عسكريًا وسياسيًا وتم تحريرها مطلع العام الجاري، ودير الزور التي أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تحريرها بشكل كامل مطلع نوفمبر الماضي، ومدينة الرقة التي أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تحريرها في أكتوبر الماضي، فيما تستمر المعارك في مدينة إدلب في شمال سوريا.
التفوق العسكري الذي شهده عام 2017، والإنجازات التي حققها الجيش السوري خلال هذا العام، ألقت بظلالها على الوضع السياسي أيضًا، فباتت فكرة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة العسكرية غير واردة من الأساس بعد أن كانت محل جدل ونقاش غربي عربي قبل سنوات قليلة، وتغيرت الاستراتيجية السياسية تجاه سوريا لدى العديد من الدول العربية والغربية، وظهر هذا التغير من الناحية الأوروبية في تصريحات بريطانيا وفرنسا ”، إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أيام أيضًا، أن “المجتمع الدولي سيضطر إلى التحدث مع الرئيس السوري بعد هزيمة التنظيم الإرهابي نهائيًا في سوريا”، وكان ماكرون، قد قال، في يونيو الماضي، إن “فرنسا لم تعد تعتبر رحيله شرطًا مسبقًا لحل الصراع”، الأمر الذي شكّل انعطافة في الموقف الأوروبي من الأزمة السورية.
أوروبا لم تكن الوحيدة التي أظهرت تغير موقفها تجاه الأسد، فقد أظهرت الرسالة الضمنية التي بعثتها السعودية وروسيا إلى قوى المعارضة، لدى اجتماعها في الرياض أواخر نوفمبر الماضي، والتي تضمنت دعوة المعارضة لتشكيل وفد موحد وخفض سقف مطالبها بشأن رحيل الرئيس بشار الأسد.
وعلى صعيد طاولة المفاوضات، بقيت الأوراق مبعثرة والأوضاع فوضوية بشكل كبير نتيجة لانقسام المعارضة وعدم استيعابها لانتصار الجيش السوري وانتهاء الأزمة عسكريًا، فقد عقدت خلال عام 2017م ما يقرب من 13 جولة تفاوضية تنوعت بين أستانه وجنيف مرورًا بجولات المعارضة في الرياض لتنتهي بدعوة سوتشي التي تأجلت إلى فبراير المقبل.
العراق
يظل الحدث الأبرز عسكريًا في العراق خلال هذا العام على غرار جارتها السورية، هو إشهار نهاية تنظيم داعش الذي كان يسيطر على نحو ثلث أراضي العراق، وكانت الانطلاقة الأكبر لعمليات التحرير من مدينة الموصل التي سبق أن أعلن منها زعيم التنظيم الإرهابي أبو بكر البغدادي، الخلافة في ظهوره العلني الوحيد من جامع النوري، ليتم تحريرها بالكامل في يوليو الماضي، وتلحق بها مدينة تلعفر سريعًا في أغسطس الماضي، ومدينة القائم وراوة والحويجة في نوفمبر الماضي، الأمر الذي مكّن الجيش العراقي من إحكام قبضته على الحدود السورية العراقية، كما تأتي السيطرة على مدينة كركوك في أكتوبر الماضي لتضيف المزيد من القوة والسيطرة على الأراضي العراقية.
وبعيدًا عن الميدان العسكري، فقد سادت العراق أجواء سياسية متوترة خاصة في إقليم كردستان الذي راودته أحلام الاستقلال من جديد في يونيو الماضي، عندما عقد زعيم الإقليم مسعود بارزاني، اجتماعًا مع عدد من أحزاب الإقليم وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والحركة الإسلامية، ليعلن خلال الاجتماع موعد عقد استفتاء الاستقلال في 25 سبتمبر، وهو الاستفتاء الذي خرج بنتائج مؤيدة للانفصال، لكن تعاملت معه الحكومة العراقية بحكمة وعقلانية غير مسبوقة، وسعت إلى نزع فتيل الأزمة دون إتاحة أي فرصه للقوى الخارجية للتدخل في الشؤون العراقية، ومع تزايد الضغوط على الإقليم خارجيًا من ناحية تركيا وإيران، وداخليًا من ناحية الحكومة والبرلمان العراقيين، تم ردع الطموح الكردي في الانفصال وانطفأت سريعًا النيران التي اشتعلت في الإقليم، لتُعلن حكومة كردستان في 25 أكتوبر الماضي تجميد نتائج الاستفتاء والدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية.
اليمن
رسم عام 2017م معادلات جديدة على صعيد العدوان السعودي على اليمن، الذي لم يحقق أيا من طموحاته وأهدافه في اليمن، ورغم ذلك فهو يعاند ويواصل حربًا جائرة يقضي خلالها على الأخضر واليابس دون مراعاة لأي قيم أو أعراف أخلاقية أو قوانين دولية في محاولة لتحقيق ولو هدف بسيط يحفظ به ماء وجهه، فقد وصلت الصواريخ الباليستية اليمنية، خلال هذا العام، إلى قلب العاصمة السعودية الرياض، وكانت البداية في فبراير الماضي، عندما دك صاروخ “بركان2” الباليستي بعيد المدى، قاعدة عسكرية سعودية في منطقة المزاحمية غرب الرياض، لتكرر جماعة “أنصار الله” تجربتها الباليستية، في يونيو الماضي، مستهدفة بصاروخ “بركان-1” قاعدة “الملك فهد” الجوية في الطائف. وفي نوفمبر الماضي، جددت جماعة أنصار الله تهديداتها للأراضي السعودية باستهداف مطار الملك خالد الدولي في العاصمة الرياض، فيما استهدفت، قبل أيام، قصر اليمامة في الرياض بصاروخ باليستي أيضًا.
عمليات “أنصار الله” طالت الإمارات أيضا، ودخلت المواجهة مع دول التحالف مرحلة جديدة باستهداف العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لأول مرة في أغسطس الماضي، بواسطة صاروخ باليستي طويل المدى، فضلا عن الاستهداف المستمر من حين إلى آخر لفرقاطات تابعة للإمارات، الأمر الذي قلب معادلة المعركة وأظهر أن المقاومة اليمنية ستنتصر في معركة “النفس الطويل” التي تقودها ضد السعودية والإمارات.
في ذات الإطار، نشرت وزارة الدفاع اليمنية تقريرًا عن حصيلة خسائر جيوش العدوان السعودي في ألف يوم من الحرب، كشف عن تدمير 1200 دبابة ومدرعة و12 طائرة أباتشي و5 طائرات إف 16 وأكثر من 20 طائرة تجسس، واستهداف 10 سفن وفرقاطات وزوارق حربية في البحر الأحمر، إلى جانب الخسائر الاقتصادية، حيث واجهت السعودية نقصًا في الميزانية بلغ 15% من الناتج المحلي، وانخفاض حجم الاحتياطيات منذ عام 2014م، من 737 مليار دولار إلى437 مليار دولار.
على الجانب السياسي، أسدل عام 2017م الستار على فصل من فصول الصراع السياسي في اليمن، وذلك بعدما استهدفت جماعة أنصار الله، في الرابع من ديسمبر الجاري، الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، الذي أدمن التنقّل بين كافة المعسكرات المحلية والإقليمية التي تتلاعب باليمن، فأردته قتيلا، ليُعلن بذلك انتهاء المقامرة السياسية التي حاول من خلالها التنصل من تحالفه مع أنصار الله، والعودة للتحالف مع السعودية والإمارات للحصول على امتيازات سياسية تمكنه من تغيير المعادلات الميدانية على الأرض لصالح تحالف العدوان، الأمر الذي يجعل جماعة أنصار الله هي المتحكم الرئيسي في المشهد السياسي حاليًا، خاصة في ظل وجود خلافات جوهرية بين السعودية والإمارات حول النفوذ السياسي والعسكري على الأراضي اليمنية.
لبنان
لبنان أيضًا كانت في قائمة الدول التي سارت على درب إسقاط الهيمنة الأمريكية، فيما مثّلت السعودية، كذلك، الذراع الصهيوأمريكي لتنفيذ مؤامرات سياسية ضد لبنان، وبرز ذلك في محاولات إحداث فراغ حكومي كبير يكون مقدمة لإسقاط الدولة اللبنانية وارتباك المشهد السياسي بأكمله، عندما استدعت المملكة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بشكل مفاجئ مطلع نوفمبر الماضي، ليعلن من هناك استقالته من منصبه، الأمر الذي أثار ارتباك العديد من المسؤولين اللبنانيين، وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قطع زيارته لمصر وأجل زيارته للكويت ليعود سريعًا إلى لبنان في محاولة للتعرف على خلفيات هذه الاستقالة.
وبعكس توقعات السعودية أو بالأدق بعكس ما تم التخطيط له في المؤامرة الصهيوأمريكية، مرت الأحداث، إذ تعاطفت كافة المكونات السياسية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله مع الحريري، الذي اعتبرته “مخطوفًا في الرياض”، فيما عارضت كافة الدول الغربية والأوروبية والعربية تواطؤ السعودية مع أمريكا وإسرائيل في محاولتهما إسقاط الدولة اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى انحسار الأزمة بشكل سريع وإحباط آمال السعودية وحلفائها خاصة بعد تدخل فرنسا كوسيط لنزع فتيل الأزمة المفتعلة، وعودة الحريري إلى بيروت وإعلانه سحب الاستقالة.