كتب/رئيس التحرير
فيما بدا هبة رسمية وشعبية لمواجهة حرب العقول الناعمة لتحالف العدوان السعودي الامريكي عبر جيوش الخلايا السرية المساندة المنتشرة في انحاء المدن اليمنية وفي عواصم العالم، بدا أن هناك عزما لمحاصرة خلايا “الطابور الخامس” التي تقود ” حرب الأفكار التكتيكية” تلك التي جند لها تحالف العدوان الآلاف من مؤيديه في ظل إمكانيات تقنية ومالية هائلة لتنفيذ عمليات حرب ناعمة في أوساط الجماهير لإشاعة المخاوف وتمزيق الجبهة الداخلية وتوجيه الرأي العام نحو قضايا صغيرة بعيدا عن جبهات المواجهة المباشرة للعدوان.
وتنخرط خلايا “الطابور الخامس” هذه ضمن ما يعرف بكتائب حروب الجيل الرابع” التي سجلت في السنوات الأخيرة حضورا كبيرا ولعبت دورا بالغ التأثير في صناعة الانقلابات الناعمة ونشر الفوضى والاضطرابات في الدول اعتمادا على ترسانة تقنية وإعلامية هائلة تبدأ بحملات التعبئة والحشد للقنوات الفضائية الموجهة وتنظيم التظاهرات الافتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية ناهيك عن التطبيقات المباشرة التي تهدف إلى تشويه الوعي الجمعي وصناعة المواقف الساخطة مستخدمة أدوات متنوعة من أسلحة الحرب الناعمة.
يتصدر ذلك حملات بث الشائعات وتشويه الحقائق وصناعة الأعداء الوهميين وتطبيقات تحويل الأعداء إلى أصدقاء منقذين وتفكيك الوحدة الداخلية وتأجيج الصراعات المجتمعية والفتن الطائفية والمناطقية وإشاعة العوامل التي تدفع الدول للتآكل البطيء والانهيار الداخلي والتفتت والانقسام وهدم الاستقرار الداخلي للدول كما حصل في ثورات الربيع العربي في العام 2011 ولا تزال أصداؤها مستمرة حتى اليوم.
منذ العدوان على اليمن في العام مارس 2015 ، وقياسا بآلته الحربية اعتمد تحالف العدوان السعودي على الكثير من تطبيقات حروب “الطابور الخامس” كجزء أساسي من معادلة عدوانه الوحشي على اليمن مستندا على تركة هائلة من التطبيقات التي طالما استعانت بها قوى الوصاية الدولية خلال السنوات السابقة للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن في أكثر ترسانات الأسلحة الناعمة المسلطة للتأثير على العقول والقرارات والأفكار.
وبحسب مصادر أمنية فإن أكثر الخلايا السرية للعدوان الضالعة في إدارة الحروب الناعمة لـ “الطابور الخامس” لعبت منذ اليوم الأول للعدوان دورا عملانيا مباشرا في رصد تحركات الجيش واللجان الشعبية والشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية، وتزويد طيران تحالف العدوان السعودي بالإحداثيات لشن الغارات المميتة، وتجنيد البسطاء والشباب والعملاء، وإدارة هجمات إرهابية بداخل المدن على هيئة تفجيرات واغتيالات فضلا عن حملات التجنيد للمرتزقة للقتال في صفوف كتائب العدوان.
ولعبت خلايا أخرى دورا كارثيا في تأجيج مشاعر الغضب المجتمعي وتشويه صورة الحاكم الوطني أو الكيانات الوطنية التي تدير دفة الحكم والتشكيك بنياتهم إلى الحد الذي يتيح للعدو الخارجي السيطرة عليها وفرض واقع جديد ، كما حصل تماما في المحافظات الجنوبية حيث لعبت هذه البروبغاندا في تعميق المشاعر الانفصالية والغضب لدى الناس بمزاعم تعرضها للاضطهاد من حكومة بالية ناهيك عن تطبيقات التهويل للقضايا الصغيرة والهامشية الهادفة إلى صرف قوى المجتمع الحية عن مواجهة العدوان الخارجي إلى قضايا صغيرة، بل ودفعهم إلى خيارات خارج دائرة الخيارات الوطنية.
أدوات حرب مميتة
ومارست خلايا ” الطابور الخامس ” دورها التخريبي مدى الفترة الماضية بصورة سرية ومدروسة منخرطة في أوساط الناس في المرافق والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام وفي المساجد والأحياء والتجمعات اليومية للناس مختلقة الشائعات لتثبيط العزائم والتشكيك في قدرة الدولة على الصمود وإشاعة المخاوف وغيرها من طوفان أدوات الحرب الناعمة.
قياسا بغياب برامج المواجهة الوطنية لهذا النوع من الحروب خلال عامين من العدوان الهمجي على اليمن، حققت خلايا الطابور الخامس نجاحات في إحداث انقسام مجتمعي وتحييد قطاع واسع من أبناء البلد عن ميدان مواجهة العدوان وأدواته ومشاريعه، والتقليل من شأن المواقف المناهضة لأي عدوان خارجي يتهدد البلاد، فضلا عن حشد البسطاء لتشكيل كيانات شعبية ساخطة لاستخدامها في إنتاج أزمات وتأجيج الاضطرابات وتأييد ذرائع العدوان الخارجي ومساندة حملات العدوان التي طالما جهدت في إقناع اليمنيين والعالم بأن ما يدور ليس عدواناً خارجياً همجياً وغير مبرر بل مواجهة لانقلاب داخلي ومحاولات لإعادة حكومة شرعية كما يزعمون.
أدوات تأثير غير مرئية
حتى عقود قليلة كانت مهمات “الطابور الخامس” محصورة في أعمال التجسس الداخلي لصالح العدو الخارجي بأشكال متعددة غير أن مهمات هذا الطابور تطورت في ما بعد حقبة الحرب العالمية الثانية لتشمل تأليف كتائب تجسسية لتقديم إسناد مخابراتي من الأرض، قبل أن تنخرط في حقبة الحرب الباردة في تنفيذ برامج الانقلابات الناعمة والحرب النفسية.
هذا النوع من الحروب غير مرئي وتمارسه الخلايا السرية بصورة طبيعية منخرطة في صفوف الجماهير التي لا تخلو مواقفها من مظاهر سخط على الأداء الرسمي وتدهور الأوضاع ما شكل مظلة حماية للناشطين الفعليين في هذا الطابور.
ما لا يعرفه كثيرون أن ثمة غرف عمليات ومطابخ دعائية كبيرة بإمكانيات كبيرة يديرها خبراء دوليون هم من يوجهون خلايا “الطابور الخامس” لشن هجمات الحرب الناعمة والنفسية باستخدام أدوات ووسائل متنوعة كثيرا ما تكون متاحة لدى كل الناس، وهي وسائل تتيح للكثيرين من خارج خلايا الأزمات الانخراط والمشاركة فيها من دون وعي، خصوصا وأن هذه الأدوات تستثير نزعة النقد الكامنة لدى الجميع في ظروف الحرب والأزمات.
وتستعين غرف العمليات المشرفة على كتائب” الطابور الخامس ” بالعديد من الشخصيات الإعلامية والثقافية والفكرية والإبداعية المؤيدة لتنفيذ أجنداته بشكل منظم وسري، غير أن طبيعة الأدوات المستخدمة في الحرب الناعمة والبرامج السابقة المساندة التي تقودها هذه المطابخ لفئات معينة من الشبان في المجتمع، تشكل تاليا الأرضية الشعبية التي تستند عليها هذه المطابخ في إنتاج الأزمات والاضطرابات.
ويقصد بالبرامج السابقة المساندة تلك التي درجت عليها الكثير من مراكز الأبحاث والمنظمات الممولة خارجيا وبرامج تأهيل القيادات الشابة التي ازدهرت في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة
والتي غالبا ما تستهدف شخصيات بعينها في دورات تأهيل خارجية، لتصنع منها قيادات شابة تنشط تاليا في إدارة مراكز تدريب محلية مماثلة في متوالية لا تنتهي.
في اليمن وخلال السنوات السابقة للعدوان وتحديدا منذ أحداث 2011 انخرط في هذا الطابور الكثير من الشخصيات ذات التأثير الواسع بما في ذلك أكاديميين وصحفيين وكتاب ومسؤولين ووجهاء وصف طويل من الفنانين والرسامين والأدباء والشعراء والكثير من فئات النخبة.
وساهم وجود هؤلاء في صدارة مشهد الحرب الناعمة، طابور طويل من الشبان والمستقيلين والخاضعين لسطوة البروبغاندا في حالة تماهٍ واصطفاف منظمة وهائلة ولذلك وجدنا كثيراً من طروحات هؤلاء في الملفات والقضايا التي تثيرها المطابخ الدعائية للعدوان تتشابه حد التطابق.
أدوار تخريبية
وفي عامين من العدوان على اليمن مارست كتائب “الطابور الخامس” دورا تخريبياً بالغ الخطورة تمثل في المساندة العلنية للعدوان السعودي الأمريكي الغاشم على اليمن بتحديد الإحداثيات ورصد تحركات قوات الجيش واللجان الشعبية ومنصات الصواريخ ومستودعات السلاح والمواقع الحيوية، كما لعبت دورا كبيرا في مساعدة طيران تحالف العدوان السعودي في تنفيذ الآلاف من غارات الاغتيال من الجو على المنازل والسيارات والمنشآت.
ولعبت هذه الكتائب التي استمرت في نشاطها بالداخل اليمني لشهور طويلة مسنودة بكتائب ناشطة خارج اليمن ولا سيما في قطر وتركيا ومصر، دورا كارثيا في تسويق الشائعات وتعزيز احتقان الشارع بدعاوى المطالبة بالحقوق كما شنت حملات دعائية شعواء لتشويه الوعي وحرف الحقائق وإشاعة الأكاذيب عبر أذرعها الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية وغيرها من الوسائل.