
استطلاع / نجلاء علي الشيباني –
*مسار الدولة المدنية لا يأتي ميكانيكياٍ ضمن ضربة حظ ..بل من نضال وعمل دؤوب في الفكر والهدف ..وهنا يكون على النخبة المدنية والقيادات الحزبية العمل الجاد والمدروس لصياغة مشروع سياسي يتم من خلاله توسيع الاصطفاف نحوه ..فالدولة المدنية الحديثة هي ما يحلم به ويتمناه كل أبناء اليمن في ظل الوحدة المباركة من مؤتمر الحوار الوطني .
والسؤال هنا ..ماهية مشروع الدولة المدنية الحديثة في ظل الوحدة اليمنية ¿وكيف يمكن للنخب السياسية وكافة أفراد المجتمع أن يكونوا حاملين لهذا المشروع عبر الحوار الوطني الشامل ¿
لابد من القطيعة مع الماضي
مفتاح الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن يكمن في إكمال مسار التغيير السياسي الشامل لتثبيت أسس الدولة المدنية و مرتكزاتها في المواطنة وسيادة القانون والفيدرالية واعتماد سياسات اقتصادية رشيدة بهدف تعزيز التطور الاقتصادي وإقرار مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وتكافؤ الفرص. .كفيلان للخروج من منظومة الأزمات..
لابد إذا أن نعتمد قطيعة مع الماضي بكل أبنيته لنتمكن من السير في خطوات سريعة نحو مشروع يخرج اليمن من أزماتها ويضعها في مسار حضاري يعزز قدرات المواطنين ويمكنها من توسيع فرص الخيارات المتاحة أمامهم في التعليم وفرص العمل والمشاركة السياسية.
ولابد من التوافق المجتمعي على قواعد وآليات العمل السياسي الوطني بعيدا عن المرجعيات القبلية والمذهبية تأسيسا للوطن الجامع ودعما وترسيخا لوحدته في إطار منظور سياسي وإنمائي يعتمد تعدد الأقاليم التي تعمل في إطار الدولة الواحدة منذ بداية القرن الماضي واليمنيون يناضلون في سبيل بناء دولة مواطنة تشكل الرافعة السياسية للمجتمع من ارتباطاته الجهوية والمذهبية والقبلية وكانت جزءاٍ أصيلاٍ في خطاب الحركة الوطنية التي ظهرت في منتصف الثلاثينات من القرن ذاته وتزايد الوعي بها من خلال الحركة الوطنية في تشكيلاتها الحزبية والجمهورية منذ الخمسينات وانفجار الثورات في الشمال والجنوب..
بين الفارق الزمني لكل هذه المسارات أن خطابا سياسيا جديدا ظهر يدعو لدولة المساواة والحريات والقانون ولكن هذا المسار اعترضته معوقات كثيرة داخلية وخارجية ذاتية وموضوعية أهمها انقسام النخب السياسية وغياب التجانس فيما بينها مما ألقى بظلال وفيرة على فكرة الدولة ومسارها فظهرت دعوات للدولة الإسلامية وأخرى لإعادة الملكية بصورة متغيرة وثالثة استمرت في نهجها الثوري تؤيد دولة ذات نظام جمهوري ..
مصداقية المشاركة
الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها يجب أن تكون قائمة على النظام الجمهوري التعددي وفق صيغة النظام البرلماني الشوروي وأن نحدد شكل الدولة مستقبلا حتى يتمكن المواطن من التمتع بالمواطنة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتمثيل المتساوي لكافة الأطراف.
والحوار كمبدأ وكقيمة بحد ذاته هو شيء عظيم ولابد منه سواء تقدم الزمن أو تأخر بغض النظر عن الهيكلة وأهم ما في الحوار الوطني هو نبل الهدف ومصداقية المتحاور والاجتماع عليه. فإذا أدركت جميع الأطياف السياسية وشرائح المجتمع المدني والمنظمات المدنية بأننا نعيش على وطن واحد وأن الحفاظ على السكينة والطمأنينة هي مسؤولية الجميع فبدون شك بأن الحوار سينجح وتكون نتائجه مشرفة لليمن واليمنيين.
بأن إجراء الحوار قد يكون في أي مكان فالعبرة ليست في المكان إنما العبرة هي مدى مصداقية المشاركين في الحوار واستشعارهم لمسؤولية الوطن بمعنى آخر. إننا نتمنى من كل المتحاورين ونحن نحسن فيهم الظن بأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل المصالح الشخصية الضيقة والأنانية أو الحزبية أو المناطقية أو القبلية أو الفئوية.
والمبادرة الخليجية كانت من أجل الانتقال السلمي للسلطة والحوار واضح من خلال كلام الأخ رئيس الجمهورية الذي أفاد بأن الحوار مفتوح لكل مكونات وفئات المجتمع السياسية والحزبية والدينية والقبلية بغض النظر عن الموقعين أو غير الموقعين والمجال موجود أمام أي شخص يرغب في الدخول في مؤتمر الحوار الوطني وعلينا أن نحسن الظن بالآخرين ونلتزم بحسن النية تجاههم وأن لا نقطع الطريق أمام أي شخص لديه الرغبة في الدخول في الحوار من أجل إنقاذ الوطن وإخراجه من محنته التي طال أمدها.
دستور الحكم الرشيد
يمكن التأكيد مبدئياٍ على أن الدستور اليمني كغيره من دساتير العديد من دول العالم الثالث يتضمن مـاٍ يعتـد به من المواد التي تضمن تحقق مبدأ المشاركة بصفة عامة. وواقع الحال أن تبني الدستور اليمني لمبدأ المشاركة جاء نتاجاٍ موضوعياٍ لاعتماده (أي الدستور) نمط النظام السياسي التعددي منذ العام 1990, في ظل وجود هوامش عملية ملموسة لحرية التعبير بما في ذلك حرية الصحافة, وحرية التعدد والتنظيم بما في ذلك إنشاء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المتنوعة.
لقد اختبر النظام السياسي للجمهورية اليمنية منذ ولادته مخاضاٍ سياسياٍ واقتصادياٍ واجتماعياٍ عسيراٍ جداٍ جراء العديد من العوامل التي يدركها الكثير من المتابعين والمهتمين.. ذلك المخاض في حقيقة الأمر لم يفرز بالضرورة مولوداٍ كامل الأوصاف..
إن نسبية الوضع اليمني وتعقد مدخلاته عامة, يفرض بالضرورة توافر نظرة موضوعية منهاجية شاملة إلى كل جوانبه. فمن غير المجدي بتاتاٍ أن تْعصر النظريات الجاهزة على جلد هذا البلد المثقل بهموم شتىº إذ لا بد لمن يرغب في المساهمة الحقيقية في تجاوز مآزق الحاضر أن يستلهم كل تلك الهموم. وهذه في واقع الحال شبه مسلمة لا بد لنا جميعاٍ كمهتمين ومتخصصين أن ندركها تماماٍ.
وفي قضية الدستور اليمني تحديدا يمكن التأكيد على أن هناك العديد من الإشارات المباشرة والضمنية إلى مبدأ المشاركة وفقاٍ لمفهومها الديمقراطي المعاصر كأحد أسس النظام من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن المفترض أن تشكل تلك النصوص أساساٍ متيناٍ لتعزيز المشاركة, وصولاٍ إلى إدارة حكم معبرة – بأعلى قدر ممكن من الشفافية – عن تطلعات المواطنين.
إن مفهوم المشاركة السائد يشوبه في حقيقة الأمر الكثير من التبسيط غير المستحب. حيث يعتقد البعض منا , بل وربما الكثير, أن المشاركة تعني – حصرياٍ – الذهاب إلى صندوق الاقتراع في مناسبات التنافس الانتخابي, أو الترشح لشغل المناصب النيابية على تعدد أشكالها, أو المشاركة في إطار الأحزاب السياسية, وتلك لا ريب من أهم معاني وصور المشاركةº
غير أن مفهوم المشاركة في حد ذاته لا يقف عند تلك الصور فحسب, فهناك العديد من الصور كتشكيل منظمات المجتمع المدني, والانخراط في النقاشات العامة, وكتابة المقالات والدراسات والبحوث في الشأن العام, والدفاع عن قضايا المجتمع أمام الجهات الرسمية, ومساندة الجهود الرسمية لتحقيق التنمية المحلية بمختلف صورها, إلى غير ذلك من الصور. فليس من المستحب إذاٍ أن يِحقر المواطن من المشاركة شيئا, ولو أن يقول كلمة واحدة أو يصلح اعوجاجاٍ بسيطاٍ في نطاق مسئولياته. ذلك بالطبع, مع التسليم بالمسئولية الكاملة على الحكومة الدولة في توفير الظروف المواتية لتلك المشاركة. ومن هنا يمكننا التأكيد أن مؤتمر الحوار ينبغي أن يخرج بصيغة للدستور تعالج كل الثغرات التي شابت الدستور الحالي كي نؤسس لدولة مدنية حديثة.
محطة مهمة
الدكتور محمد سعد نجاد /نائب عميد كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء في الواقع الحوار يأتي تنفيذاٍ / لمتطلبات المبادرة الخليجية وأيضاٍ هو ضمن اتفاق الأطراف السياسية اليمنية والموقعين على المبادرة الخليجية بغرض حل خلاف كل تلك المشاكل وفقاٍ لتلك المعطيات .
وعلى كافة القوى أن تعمل على إنجاح الحوار فهو محطة مهمة لإرساء مبدأ الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع لها كل أبناء الشعب اليمني في ظل اليمن الموحد الذي يسوده عنصر المساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة والعدالة الاجتماعية .
وعلى المشاركين في مؤتمر الحوار الحرص على الثوابت الوطنية التي لا يمكن الخروج عليها المتمثلة أولاٍ بمصلحة اليمن وتقديمها على كل المصالح السياسية والحزبية والمناطقية والقبلية والفئوية وثانيا هو الحفاظ على وحدة اليمن باعتبارها خطاٍ أحمر لا يمكن المساس به أو التنازل عنه.
وعدم التحاور حول تلك الثوابت والتي تخص مصلحة الشعب اليمني ومصلحة الوطن ووحدة اليمن وعليهم الولوج في الأشياء الأخرى التي يمكن معالجتها وفق أجندة معينة.
الحوار والتحدي
الدكتور أحمد عوض بن مبارك – أمين عام مؤتمر الحوار الوطني: تجربة الحوار الوطني بالنسبة لليمن فرصة نادرة لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي يطمح لها المواطن اليمني بعد الأزمات التي مرت بها البلاد ففي الحوار الوطني كل القضايا مطروحة بقوة وأهمها قضية صعدة والقضية الجنوبية وحلها بنسبة 80%من القضايا والمشاكل التي تمر بها البلاد ..والحوار فرصة ثمينة لبناء الدولة الحديثة ومواجهة التحديات لما بعد الحوار الوطني بالتأكيد ستتمكن اليمن من خلال مخرجات الحوار من بناء دولة يمنية حديثة من خلال صياغة الدستور والاستقاء عليه ليتحدد شكل الدولة التي نريد.
الثقافة الوطنية
لا نملك في الثقافة الوطنية مرجعية قيمية وأخلاقية بل وقانونية تحاسب المسئول الأول وتأخذ على يديه وفق آلية مؤسسية تراكمت فيها المعرفة والتجربة وتحولت المعرفة إلى سلوك عام يرفض المجتمع ويحتقر من يخرج عليه بل ساد في ثقافتنا العامة أن المسئول الأول في الدولة بمختلف المسميات التاريخية يجمع في سلطاته بين السلطة والمال.
مثلا: رئيس الجمهورية اليمنية هو رأس السلطة التنفيذية وهو رئيس السلطة القضائية تعييناٍ للقضاة وعزلاٍ , وهو شريك ورقيب على السلطة التشريعية وفق الدستور فله الحق في أن يعترض على أي مشروع قانون يقره مجلس النواب حيث لا يكون القانون نافذا إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية وله حق الاعتراض وإعادته إلى المجلس النيابي ولا يمر مشروع القانون إلا بأغلبية خاصة والأغلبية الخاصة هو رئيسها باعتباره رئيس الحزب الحاكم وبالتالي فأغلبية الأعضاء في المجلس النيابي هو رئيسهم .
ومن وجهة نظره كحقوقي فإن هذا التكريس للسلطة في نصوص الدستور في أبوابه المختلفة جعل من مسألة السلطة التنفيذية عن طريق الرقابة البرلمانية نصاٍ نظرياٍ معطلاٍ بواقع الفعل والممارسة وجعل الرقابة القضائية عن طريق الدعوى القضائية الجنائية منها والمدنية مستحيلة وفقاٍ لنصوص الدستور ونصوص قانون السلطة القضائية , ذلك أن من يملك تعيين القضاة في مختلف درجات التقاضي الابتدائي والاستئنافي والمحكمة العليا وكذا العزل هو رئيس الجمهورية رغم التعديل الأخير الذي ألغى النص السابق الذي كان فيه رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء وتم التعديل إلى أن يكون رئيس مجلس القضاء من بين القضاة.
لكن الحال في الواقع ظل كما هو عليه حيث أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس مجلس القضاء وكذلك بقية أعضاء المجلس المكون من وزير العدل والنائب العام ورئيس هيئة التفتيش القضائي ورئيس معهد القضاء وهم جميعاٍ موظفون عموميون يعينهم رئيس الجمهورية بسلطانه المتفرد ويعزلهم كذلك دون معقب على قراراته .
إنهم في حقيقة الأمر فرع للسلطة التنفيذية تابعون وموظفون لديها لا سلطان لهم على أنفسهم وبالتالي على قضائهم الذي يقضون خاصة مع لعب القضاة بناءٍ على نظام التعددية السياسية دوراٍ أساسياٍ في الرقابة على الانتخابات من خلال الطعون الانتخابية أو على سلوك الموظفين العموميين وحق تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أو الدعوى في الحقوق السياسية الأخرى وما يتعلق بحرية التعبير والاعتراض السلمي على قرارات الإدارة المؤثرة في حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية .
الدستور الجديد
عندما نتحدث عن حقيقة بناء الدولة الحديثة فنحن نتحدث عن المرحلة التي يمر بها العالم النامي التي تتواكب مع الألفية الثالثة وعندما نتحدث عن اليمن المعاصر يجب علينا أن نركز على بناء مؤسسات حكومية قوية تكفل للمجتمع حقوقه وأمنه واستقراره وما نريد أن نشير إليه ونتمناه من اللجان المتواجدة في مؤتمر الحوار أن نركز على أيجاد هذه المؤسسات التي من خلالها يمكن لنا انتهاج أو تبني الدولة الحديثة بشكلها المتطور الذي يواكب العصر .وما تقتضيه المصلحة العامة لكل أبناء اليمن الواحد ومن الأولويات التي يجب أن نركز عليها لبناء اليمن الحديث هو تصميم النظام السياسي الذي يتواكب مع تركيبة المجتمع اليمني والبرامج السياسية الموجودة على الساحة ويليها إيجاد مؤسسات وقوانين شريعة من خلالها يستطيع كل مواطن أن يضمن حقوقه ويقوم بأداء واجباته تجاه المجتمع وإيجاد نظام انتخابي تشريعي يكفل القانون الذي غاب عنا في فترات مختلفة من تاريخ اليمن لن تكون هناك مؤسسات قوية متماسكة وإذا لم يكن هناك مطالبة حقيقية في إيجادها على أرض الواقع ويلمسها المواطن مباشرة.
اليوم ونحن نحتفل بالعيد الثالث والعشرين للوحدة المباركة التي من خلالها تستطيع أن نجدد شعور انتمائنا جميعاٍ إلى هذه الأرض المباركة من المهرة والغيظة إلى صعدة ومن صنعاء إلى عدن نحن متفائلين بأنه لن تموت هذه الفرصة في تعزيز وحدتنا التي هي مصدر قوتنا ونحن نعلم أن هناك بعض شخصيات التي عبثت وأساءت إلى مفهوم الوحدة الوطنية الفرصة لازالت قائمة أن من أهم أولويات بناء الدولة الحديثة .. الأمل الفسيح في قلوب أبنائها وعلينا أن نعلن بأن بناء الدولة اليمنية الحديثة الديمقراطية لن تأتي إلا عبر مؤتمر الحوار الوطني في الأخير أتمنى على كل القوى السياسية المتمثلة في لجان الحوار الوطني أن تضع مصالح اليمن والشعب اليمني فوق أي مصلحه أخرى سواء كانت حزبية أو مناطقية أو مذهبية أو سياسية أو فردية فيجب أن تكون الدولة اليمنية الحديثة نصب أعيننا جميعاٍ وأن ندرك أن إنشاء مؤسسات قضائية عادلة مستقلة وهي الفيصل والمرجع لحل خلافات أبناء الوطن الواحد .
المحامي /محمد المداني : طالما أن مؤتمر الحوار وقد وضع في اعتباره إعادة صياغة الدستور نتمنى أن يتلافى الدستور الجديد كل الأخطاء التي شهدها الدستور القديم وتحديداٍ فيما يتعلق بتحديد مهام واختصاصات رئيس الجمهورية , وكذلك الفصل بين السلطات وتحديد اختصاصات كل منها أن يضع في اعتباره المبادئ الأساسية في مسألة الحقوق العامة والحقوق الخاصة كما هو معمول به في الأنظمة الدستورية الأخرى مع مراعاة الخصوصية اليمنية.
اليمن يفترض بها أن يكون لديها دستور ليكون بمثابة المرجع الأول لها وأعتقد أن نجاح مؤتمر الحوار مرتبط في المقام الأول بالخروج بدستور يتفق عليه الجميع ويصلح للاستفتاء عليه مع الأخذ في الاعتبار أنه لازال هناك إشكالية بمسألة الانتخابات والجداول الانتخابية .. إلا أن ذلك لا يمنع الالتزام بهذا الدستور المؤمل به مستقبلاٍ.