الأسرة / اسماء الشهاري
ما أجمل الطهر والنقاء والبراءة والصفاء.. ولكن كيف إذا اجتمعت هذه الصفات مع الرجولة والعطاء والتي يفوح منها عبق الطفولة..
هي تركيبة قد تبدو معقدة لكنها زاهية وبهية كبهاء شهيدنا الصغير وبطل قصتنا.. مصطفى عبدالله المتوكل اثنتا عشرة سنة.. هذا هو العمر الذي بدأ مصطفى فيه المشاركة والإنطلاق في الأعمال الجهادية لأنه من تلك الأسرة المؤمنة التي كانت تزود المجاهدين بما تستطيع في الساحات والإعتصامات أثناء ثورة الشعب ضد حكومة الظلم والفساد..
هكذا وجد البطل الصغير نفسه يتنفس عبق الحرية والكرامة الممزوجة بالبذل والتضحية فعشقها أيما عشق وتعلق بها قلبه الصغير أيما تعلق حتى لم يستطع أن يلتفت لسواها من أمور هذه الحياة وهو لا يزال في هذه السن المبكرة.. فكان يشارك في المسيرات ويقوم بأخذ الطعام للمرابطين في الساحات ولم يكن يفوته شيء من الفعاليات..
وكان هذا الطفل الصغير في عمره.. الكبير في نضجه وتفكيره يكبر ويكبر معه حبه للجهاد والبطولة..
لم يكن هذا الحب والتعلق من فراغ بل عن إيمان ومعرفة وفهم ودراية فقد كان يقرأ ويحضر الدروس والمحاضرات ويغترف من الثقافة القرآنية التي تنير الفكر والحياة..
امتلأت روحه بالإيمان وبحب بلد الإيمان والذي هبَّ مدافعاً عنه بكل قوة وعنفوان.. غير ملتفت ولا مبالٍ بمن يعدون أنفسهم رجالاً وقد صاغوا لأنفسهم الأعذار والمبررات ورضوا لأنفسهم القعود والخذلان..
عندما تشاهد صورة الشهيد مصطفى فكأنّك تهب عليك نسائم من الجِنان وتجد أنك تقف معجباً وحائراً بين براءة الطفولة وعظمة الرجولة.. فإلى أهم صفات هذه الشخصية الفريدة والمميزة..
مسارعاً للخيرات
قد يقضي الإنسان عمره الطويل وهو يسعى ويحاول لأن يكون من أولياء الله.. لكن مصطفى استطاع معرفة الطريق في سن مبكرة فكثير من أهل مصطفى وأصدقائه الذين عرفوه يقولون كان مصطفى ولي من أولياء الله.. نعم إنه الطهر عندما يمتزج مع علو الهمة وسمو الأهداف..
كان مصطفى يتصف بالصدق والأمانة وكان إجتماعياً حنوناً في تعامله مع الآخرين وكان مسارعاً إلى فعل الخيرات وفي القيام بالمهمات وأداء الواجبات الجهادية وكان أيضا مغرماً بشيء اسمه الإنفاق في سبيل الله وشهد له بذلك الكثير ممن عرفوه.. فكان ينفق كل ما يحصل عليه في سبيل الله ويحث أهله على ذلك.. فها هي والدته تقول: كنت أحيانا أعطيه المال لتوي ثم لا يتبقى معه شيء وعندما اسأله يقول :أعطيته للمجاهدين كان ينقصهم كذا أو كذا..
وإذا لم يجد مالاً لينفق فإنه لن يعجز عن البذل والمساهمة بتقديم أي شيء حيث كان يقوم أحياناً بترك أحذيته المرة تلو الأخرى لمن ليس لديه احذي من المجاهدين ويعود حافي القدمين إلى المنزل ويتحجج بضياعها في كل مرة.!
مكاني ليس هنا.!
لم تكن والدة مصطفى قد تقبلت بعد فكرة أن طفلها الصغير قد أصبح رجلاً مقاتلاً في الميادين فكانت تقول له بابتسامة وتعجب :انظر إلى حجم الآلي وإلى حجمك.!
لكنه كان متعلقاً جداً بالسلاح كما تقول..
كان مصطفى مرهف الإحساس والدموع تنهمر من عينيه بسرعة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأحب الأشياء إلى نفسه، فها هو عندما كان والداه معارضين لفكرة التحاقه بالجبهات، في البداية تنزل الدموع من عينيه بسرعة ويشعر بقهر كبير في داخله وهما يخبرانه أنه لا يزال صغيرا وأنه لم يحن الوقت بعد..
فيقول لهما إنه يطيعهما في كل شيء لكن لا يحق لهما أن يمنعاه مما فيه طاعة ورضا لله عز وجل.. ويقول أيضاً-أنا لن أرضى ولن أقبل بأن أموت في البيت أو فوق السرير مهما يكن.. وأريد أن استشهد في الجبهات.!
فتيقن الوالدان أن ابنهما الصغير له تفكير رجولي وعمق ووضوح في الرؤية..
كان مصطفى يعرف أنه لن يعيش طويلاً في الدنيا لأن روحه تتوق إلى السماء فعندما قال له أحدهم في عرس أخيه عقبى لك، رد عليه- أنا سأتزوج في الجنة..
حتى إن زرته في المدرسة ستجده وهو يقول لمعلمته أنا ليس مكاني هنا.. أنا مكاني في الجبهات..
وها هو يطير من الفرحة عندما أخبره والده بموافقته على أن يلتحق بدورة تدريبية وأن ينطلق ويحلق في ركب المجاهدين الأبرار في سبيل الله والوطن والعزة والكرامة..
ربح البيع مصطفى
وها هي الأمنيّة الغالية التي تمناها مصطفى ورابط وسهر لأجلها الليالي في مواقع عدة قد تحققت.. وكيف لفارسٍ كمصطفى أن تأتيه المنية إلا في المكان الذي تمناه.. وهي في الحقيقة لم تكن منية بل كانت الحياة الأبدية..
نعم يا مصطفى ليس جدير بمثلك أن يموت في البيت أو على الفراش.. ولم يكن يليق بمؤمن مجاهد مثلك إلا الشهادة التي كان يتمناها وأناله الله إياها.. بعد أن شهد له من يعرفه من المجاهدين أنه كان يمتلك إيماناً وشجاعة قل تواجدهما بين نظرائه وأقران سنه بل إنه كان قدوة لمن يكبرونه سناً..
ارتقت تلك الروح الطاهرة بعد أن نكلت بأعداء الله كثيراً وبعد أن تعرض لكمين غادر على يد المرتزقة والمنافقين في منطقة بيت الفقيه في الحديدة حيث تم قنصه برصاصة غادرة فأغمض عينيه في لحظات لم يصبه إلا أذى وهذا من كرامات الشهادة في سبيل الله والوطن ..وارتمى كأنه نائم في أريكة من النعيم المقيم فسلامٌ سلام.. استشهد مصطفى وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره قضاها حباً وبذلاً وتضحيةً في سبيل مبادئه السامية وقضيته الحقة.. فليجاهد رجالكم كي لا يذهب أطفالنا عوضاً عنهم..
تقول والدة الشهيد:مصطفى اختار طريقه بنفسه تاجر مع الله وربح تجارته، استثمر موته وأبى أن يموت إلا في ميدان الشهادة والواجب الذي أصبح فرض عين على كل حر وغيور على عرضه ووطنه ونال ما تمنى..
وتقول:أقول لمن يلومونا أننا سمحنا لمصطفى الجهاد وهو في هذه السن، فليخرج رجالكم المتخاذلون عن نصرة الدين والوطن حتى لا يخرج أطفالنا عوضاً عنهم.!
ولولا هؤلاء الشباب الصغار لكان العدوان قد حقق مراده في اليمن، لكن بإخلاصهم لله ولدينهم ولغيرتهم على وطنهم وعقولهم الكبيرة المتربية على الثقافة القرآنية ورجولتهم يحققون الانتصارات العظيمة وعندما يذهبون إلى الجهاد فإنهم يعرفون كما نعرف أنها إحدى الحسنيين والله معاهم ما داموا خرجوا في سبيله صغارا أو كبارا لا فرق، المهم التحرك لا الخنوع والانتظار.. ها هو شقيق مصطفى يرابط في الجبهات أيضاً ولا يمكن أن نمنع أحداً من أبنائنا عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة..
ولو منع كل أب أو أم ابنهما عن الجهاد في سبيل الله لن ننتظر إلا والدواعش والمحتلون يدقون أبواب بيوتنا..