سايمون هندرسون
يشكل مصير الحكم في دول الخليج هاجساً كبيراً لدى المتابعين من ذوي الشأن وكذلك دوائر سياسية وإستراتيجية في الدول المعنية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليس فقط للوضع الحرج صحياً الذي يمر به حكام الخليج –ماعدا أمير قطر الشاب- ولكن لتأثير هذه الدول وتوازنات الحكم داخلها على مسار السياسيات الإقليمية وتوجهاتها وضبط إيقاعها بالنسبة للولايات المتحدة، ومثال على ذلك ما حدث عشية وفاة الملك السعودي السابق، عبدالله بن عبدالعزيز، وتغير سياسات السعودية الخارجية لارتباطها بشخصه، وهو أمر ليس بجديد على ممالك وإمارات ما زالت تحتكم للمنطق العائلي والقبلي في الحكم والعقد الاجتماعي بشكل ينتمي للقرون الوسطى، فلا مؤسسات دولة ولا مشاركة للشعب في إدارة وتحديد سياسات الحكم وتنظيمها، وبالتالي فإن مصير الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي في ظل هذه العوامل وأكثر يعد مسألة ذات أهمية قصوى في مدى السياسات الأمريكية وتأثير ذلك على التغيرات في المنطقة.
في هذا السياق نشر «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» تحليل استشرافي لمدير برنامج سياسات الخليج في المعهد، والخبير في شؤون الخليج، سايمون هندرسون، رأى فيه أن النموذج القطري هو الأقرب كسيناريو آمن بتدخل أمريكي لضمان الاستقرار في دول الخليج عند انتقال السلطة، ورأى أيضاً أن ما حدث في الدوحة عام2013م من تنازل الأمير حمد بن خليفة لنجله تميم بن حمد عن الحكم وتقاعده، هو النموذج الذي يجب أن تنظر واشنطن له بعين الاعتبار في المدى القريب نظراً للاشكاليات المركبة المتعلقة بانتقال الحكم بسلاسة في دول مجلس التعاون الخليجي، وكونه الأفضل من حيث المحافظة على المصالح الأمريكية وكذلك الاستقرار الداخلي فيها. وفيما يلي نص المقال:
في 23 أكتوبر، توفي أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني عن عمر يناهز 84 عاماً، ليغلق بذلك فصلاً من تاريخ الخليج. وكان الشيخ خليفة قد أَبعد ابن عمه عن السلطة في عام 1972م، قبل أن يطيح به ابنه حمد في عام 1995م. وقد أثار هذا الأمر غضب الدول المجاورة لقطر التي تكره سابقة إطاحة الابن بأبيه. وفي عام 2013م، تنازل الأمير حمد عن الحكم لصالح ثالث أكبر أبنائه، الأمير تميم، مما شكّل على ما يبدو أول انتقال للحكم في قطر دون اعتراض منذ مائة عام. والأمير تميم الذي يبلغ من العمر 36 عاماً فقط، متزوج من ثلاث نساء وله أربعة أبناء، ولكن حالياً يبدو أن الوريث الظاهر هو أخوه غير الشقيق الأمير عبد الله. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال سلف تميم مستشاراً بصفته “الأمير الأب”، وعلى الرغم من أن مدى تأثيره غير واضح، يؤكد بعض المسؤولين الخليجيين أن السلطة لا تزال بيده.
وأياً كان المدى الحقيقي لتسليم الأجيال في قطر، يمكن لنهج البلاد القائم على الخلافة من خلال التنحي أن يشكل نموذجاً لجيرانها. بيد، أن الخصومات التاريخية بين الأعضاء الآخرين في «مجلس التعاون الخليجي»، أي المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، قد ترغمهم على إتباع مسارات أخرى أو تعليق أي قرار إلى أجل غير مسمى.
السعودية
أصبح يُنظر على نحو متزايد إلى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 31 عاماً كصانع القرار الحاسم في المملكة بدلاً من والده الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاماً أو ولي العهد الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 57 عاماً. ويُعتقد أن العاهل السعودي الذي وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” بأنه يعاني من “هفوات في الذاكرة” يفضل الأمير محمد بن سلمان، الإبن البكر من زوجته المفضلة، خلفاً له.
إلا أن تحقيق ذلك في أي وقت قريب من شأنه أن يشكل تحدياً بحد ذاته. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنّ الملوك السعوديين عادة ما يستمرون في الحكم إلى حين وفاتهم؛ فقد توفي الملك عبد الله في عام 2015م عن عمر يناهز 92 عاماً، وكان الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في الرابعة والثمانين من عمره عندما وافته المنية في عام 2005م، بعد عشر سنوات من إصابته بجلطة شديدة. وقد تُشكل سياسة القصر والمنافسات فيه عقبة كأداء أيضاً. وقد استخدم الملك سلمان سلطته الملكية بالفعل لتغيير ولي العهد وتسمية الأمير محمد بن نايف لهذا المنصب بعد ثلاثة أشهر من توليه العرش، لذا قد يكرر الأمر نفسه في أي وقت من الأوقات. لكن ما إذا كان الأمير محمد بن نايف والعائلة المالكة الأوسع نطاقاً سيقبلون بجعل الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد أو أن يتنحى الملك لصالحه فهو موضوع قابل للنقاش بما أن الدعم الذي تلقاه السياسات الأكثر حزماً للأمير الشاب كوزير للدفاع “وكصاحب رؤية” في الشؤون الاقتصادية ليس بالأمر المعتمد بصورة شاملة.
الكويت
يبلغ الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح 87 عاماً من عمره، بينما يبلغ ولي العهد – أخيه غير الشقيق الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح 79 عاماً. وعلى نحو تقليدي، تعاقبت عملية الخلافة بين فرعي أسرة الصباح – الأحمد والسالم – بيد أنه يتم تخطي فرع السالم في تشكيلة فريق الحكم الحالية. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر الكويت فريدة الوضع بين دول الخليج العربي إذ يتعيّن على أي أمير محتمل أن يحظى أولاً بموافقة المجلس الوطني، وهو هيئة منتخبة. ومؤخراً حل الشيخ صباح هذا المجلس، وسوف تجرى انتخابات في نوفمبر لإعادة انتخاب مجلس جديد، مما يعيد طرح السؤال حول ما إذا كان الشيخ نواف سيحصل على هذه الموافقة في يوم من الأيام.
البحرين
ولي العهد المعين للملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي يبلغ من العمر 66 عاماً هو ابنه البكر الأمير سلمان (47 عاماً)، ولكن هناك تكهنات بأن الأمير سلمان قد يفضل أن يتولى أخوه الأصغر، قائد “الحرس الملكي”، الشيخ ناصر (29 عاماً) مقاليد الحكم في البلاد. أما القرار المرتقب الأكثر أهمية فيتعلق بعم الملك، الشيخ خليفة بن سلمان (80 عاماً)، الرجل المراوغ في سياسة القصر الذي يتولى منصب رئيس الوزراء منذ فترة طويلة. وقد اتخذ الشيخ خليفة وحلفاؤه في العائلة المالكة السنية موقفاً متشدداً ضد غالبية السكان الشيعة في البحرين، مما يتناقض مع نهج التنازلات السياسية الذي يعتمده ولي العهد الأمير سلمان، لذلك قد ينظرون إلى الشيخ ناصر الشاب كملك مستقبلي أكثر مرونة عن غيره.
الإمارات
تأسست الإمارات العربية المتحدة على يد الشيخ زايد آل نهيان حاكم أبو ظبي في عام 1971م، ويتم مبدئياً انتخاب رئيس الاتحاد كل خمس سنوات من قبل حكّام الإمارات السبع. وعندما توفي الشيخ زايد في عام 2004م، تم “اختيار” ابنه الشيخ خليفة، لكنه في الواقع ورث الحكم نظراً للثروة النفطية لأبو ظبي. إلا أن الشيخ خليفة عانى من المرض لسنوات عديدة وأصيب بجلطة دماغية في كانون يناير 2014م. وبينما لا تزال المراسيم تصدر باسمه رسمياً، إلا أن قيادة كل من أبو ظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بحكم الأمر الواقع قد انتقلت إلى أخيه غير الشقيق ولي العهد الأمير محمد بن زايد البالغ من العمر 55 عاماً.
ومع ذلك، فمن غير الواضح ما الذي سيحدث عندما يصبح الشيخ محمد بن زايد الحاكم الرسمي. فهل سيرغب في نقل السلطة إلى أبنائه (إذ ذُكر اسم الشيخ خالد بن محمد، رئيس أمن الدولة المعين مؤخراً، كاحتمال ممكن) أو إلى إخوته؟ ومهما حدث، فسيستمر استبعاد حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، البالغ من العمر 67 عاماً الذي هو نظرياً نائب رئيس الاتحاد، وأبنائه. وقد تكون دبي الواجهة ولكن أبو ظبي هي مركز السلطة، ولا تحظى الإمارات الخمس الأخرى بهذه الأهمية.
سلطنة عمان
نادراً ما يظهر السلطان قابوس بن سعيد الذي يبلغ من العمر 75 عاماً إلى العلن، وعندما ظهر في العرض العسكري في نوفمبر 2015م، كان هزيلاً بشكل ملحوظ وبقي جالساً على مقعده. وسابقاً، أمضى ثمانية أشهر في مستشفى ألماني لتلقي العلاج لما كان يُعتقد بأنه سرطان القولون.
وفي 14 أكتوبر، وفي خطاب غير مقنع أعلن وزير الخارجية يوسف بن علوي أن السلطان “بخير” “وبصحة جيدة”. كما صرّح لصحيفة سعودية بأن الخلافة العمانية “رُتّبت بطريقة واضحة” وأن “الناس خارج البلاد قلقون أكثر من أولئك الذين في الداخل”. وتجدر الإشارة إلى أن السلطان قابوس لم يعد متزوجاً وليس لديه أطفال، لذلك سيتم تحديد خليفته من قبل العائلة المالكة الموسعة. وفي هذا الإطار، يُعتبر ثلاثة من أبناء عمومته من أقوى المرشحين لتولي الحكم في الوقت الحالي؛ وإذا لم تستطع العائلة الوصول إلى توافق، يبدو أن السلطان كان قد كتب رسالة سمّى فيها من اختاره لخلافته في حال عدم التوافق.
الاستنتاج
يجب إقامة التوازن بين آمال واشنطن بقيام قيادة قوية ومسؤولة في الدول الخليجية الحليفة وبين التفضيلات المحلية، كما يتعيّن على الولايات المتحدة تجنب أي مظهر من مظاهر التدخل في الشؤون الداخلية. ويحمل المثال القطري أملاً، وعلى الرغم من أنه مجرد طريق واحد للمضي قدماً ولا يمكن اعتماده في جميع الظروف، إلا أنه يدل على أن قادة دول الخليج ربما يسعون إلى اعتماد نهج جديد لمواجهة التحديات التاريخية.
نقلا عن موقع البديل المصري