شهدت حضورا حضاريا وإنسانيا خلال ما يقرب العامين من العدوان والحصار
العيد مثل الفرصة الأهم لتوسيع دائرة التراحم والتكافل بين أبناء المجتمع اليمني
خلال ذروة العدوان والحصار شهدت الحارات والأحياء السكنية مشاريع خيرية إنقاذية بجهود مجتمعية مخلصة
استطلاع/أسماء حيدر البزاز
في أحلك الظروف التي تمرّ بها اليمن ويعيشها اليمنيون وفق تكيّف نادر وقلما يوجد في الشعوب العربية الأخرى، ففي المحن يستعد اليمن ذاكرة التجلي الإنساني والديني في قيم التراحم والتكاتف وإقالة العاثر، وهذا ما جعل اليمنيون مستقرين في وطنهم في ظروف السلم والحرب حتى النزوح يكون داخلياً فقط.. نقول هذا المعطى الحضاري عن الشعب اليمني ونحن تابعنا وما زلنا نتابع يوماً بعد يوم كيف نمت الأعمال التكافلية واتسعت دوائر التكاتف في المجتمع حضرا وريفاً خلال ما يقرب العامين من العدوان والحصار والجائرين ..
فإذا كان الطباع اليمني بهذه الصورة المشرقة فيكف ستظهر هذه القيم في أهم أيام المناسبات الدينية المحاطة بكوارث العدوان المستمر، وهي أيام عيد الأضحى المبارك التي ما برحنا أجواءها الفرائحية.. صحيفة (الثورة) نقلت أبعاد ومظاهر قيم التكافل والتكاتف خلال أيام العيد وغير أيام العيد كسمة يمنية تتوج حضارية المجتمع اليمني .. إلى التفاصيل:
عل مداخل المدن والتجمعات السكنية والأحياء المأهولة بالسكان انتشرت مشاريع المياه الخيرية ولافتات العمل الطوعي والإنقاذي والإيوائي خلال ما يقرب العامين من العدوان، لتشهد هذه المشاريع على قيم التكافل والتراحم الاجتماعي.. أما في خلال الأيام السابقة فقد تجلى العيد بأبهى حلله المتوجة بالبذل والعطاء وتجسيد أروع ضروب التكاتف والتكافل المجتمعي خاصة إثر هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي هوّن من قساوتها هذه الروح اليمانية المعطاءة ليعيش الجميع فرحة العيد دون استثناء.. وهو ما لمسناه في لقاءاتنا مع العديد من الأسر التي تنظر إلى التكاتف والتراحم بأنه عمود فرحتها في الحياة العادية فكيف بأيام العيد.. وفي هذا السياق تفيدنا غدير الصبري – تربوية بالقول: في ظل هذه الأوضاع العسيرة التي يكابدها وطننا وتضررت إزاءها العديد من الأسر ولهذا تجد أغلب الناس معتمدين على المعاشات والتي في الغالب تنتهي في قضاء الديون، إيجار وللبقالة ومصاريف الأولاد مما يسبب ضغوطات نفسية ومادية عديدة خاصة لذوي الدخل المحدود.
وأضافت الصبري قائلة: غير أنه هذا العيد وجدنا إحياء عظيما لقيم التكاتف والتكافل المجتمعي من أبناء مجتمعنا الحبيب فمثلا من لديه فائض من عبوة الغاز يعطيه لمن لا غاز له ومن لديه كسوة للعيد ولديه قدرة أو فائض من المال يكسي به أطفال جيرانه الفقراء والمحتاجين. حتى أنني وجدت أناساً يشترون جعالة العيد ويعملون حساب جارهم المحتاج من حلوى وعصائر وهذا أمر عظيم غاية في الروعة والإخاء حتى يشعر الجميع بفرحة العيد.
أسعدهم الله
أم نجاة حميد بدموع الفرحة تقول لنا: كنت متألمة جدا على أطفالي الثلاثة نجاة وهند ومحمد خوفا من أن يأتي العيد وليس بمقدوري أن أشتري لهم كسوتهم، فالظروف المعيشية بعد رحيل والدهم واستشهاده غاية في الصعوبة ولكن بحمد الله وثم بوجود رجال المعروف والإحسان من جيران أكارم ، حيث لم يقصروا معنا في شيء، كسوا أبنائي جميعهم واشتروا لنا كعك العيد واشعرونا بأننا لسنا وحدنا وأنهم أكثر من أهلنا وأقاربنا بتكاتفهم معنا وتفريج همومنا وكربنا وجزا الله كل من يقوم بذلك خير جزاء في الدنيا والآخرة.
التآزر والتراحم
شهاب عبد الرحيم -عامل في القطاع الخاص يحدثنا عن واقعه مع هذا الموضوع بالقول: جارنا محمد الذيفاني جاء إلينا قبل العيد بأيام لتوصيل قناديل الإنارة لكل غرفة في منزلنا حتى يأتي العيد بدون منغصات الظلام الدامس ولا يريد منا سوى دعوة في ظهر الغيب فالله درهم من رجال.
التربوية إيمان الحمزي .. تقول من جهتها: تمر الأيام وتأتي أيام العيد حاملة معها الفرحة والسرور ولكن للأسف يعيش المواطن في ظل ظروف تجبره على تحملها والعيد يبقى عيداً مادام الحب والألفة والمودة متبادلة بين افراد المجتمع اليمني يكون للعيد جوا آخر، فنلاحظ قيام نساء معظم المناطق بصنع الكعك والحلوى وشراء الكسوة واعطاها لأسر الشهداء وما يدل ذلك إلا على وحدة وقوة الشعب وآماله بمجتمع راقٍ.
أهل حكمة
أما الإعلامية أسماء المحطوري فتقول: التكافل الاجتماعي في المجتمع مهم جدا ليس فقط ماديا بل لتلبية جميع حاجات المجتمع، أفرادًا وجماعات؛ مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأُمَّة. في هذه الأيام عيد الأضحى المبارك يمر اليمنيون بأوضاع صعبة في ظل الحرب القائمة مما يقتضي ضرورة التكاتف والتكافل الاجتماعي بدون فردية أو أنانية أو سلبية، وإنما يمارس بكل إخاء ، وعطاء ، وتعاونًا و كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الْـمُؤْمِنُ لِلْـمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. التكافل هو دعامة أساسية من دعائم المجتمع وسد الثغرات تتمثَّل بتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة لقضاء حاجة المضطر وإزالة هم الحزين وجرح المصاب.
مبادرة طيبة
.من جهتها تقول الداعية ايمان النجدي – جامعة القرآن الكريم وعلومه: التكاتف والتكافل في هذه الأيام العيدية المباركة عمل عظيم وهو من باب شكرٌ لله على النِّعَم، ورسولُنا الكريم – صلى الله عليه واَله وسلم – قدَّم أروعَ صور العطاء؛ أعطى كلَّ شيء، ومن كلِّ شيء، ولم يُبقِ في يده ولا من نفسه أيَّ شيء. كما أوضح لنا ذلك مختلف العلماء والأئمة حيث يقول جابرٌ – رضي الله عنه -: “ما سُئِل رسولُ الله – صلى الله عليه واَله وسلم – شيئًا قطُّ فقال: لا، سألَه رجلٌ غنَمًا بين جبلَيْن فأعطاه إيَّاها”، وبلغَ من عطائه: أنه أعطى ثوبَه الذي على ظهره، ومن عطائه لأمَّته: أنه سخَّر حياتَه لها نذيرًا وبشيرًا قائلاً: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ومن عطائه: إنه وهبَها حُبًّا لا يُبارَى، وشفقةً لا تُجارَى، وكان كثيرًا ما يقول: «لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم ..» بكذا. ومن فيضِ خير النبي – صلى الله عليه واَله وسلم – وبركتِه: أن عطاءَه موصولٌ إلى يوم القيامة، ومضى أصحابُه وإخوانُه على نهجِه، ينهَلون من مَعين عطائه حتى غدَوا قِمَمًا في العطاء. قال في أبي بكرٍ – رضي الله عنه -: «ما نفعَني مالٌ قطُّ ما نفعَني مالُ أبي بكر»، فبكى أبو بكرٍ – رضي الله عنه – وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟! وكان المِعطاءُ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يتعاهَدُ كلَّ ليلةٍ عجوزًا عمياءَ مُقعَدةً بما يُصلِحُها ويُخرِجُ الأذَى عن بيتِها. ومُصعبُ بن عُميرٍ – رضي الله عنه – يُقدِّمُ صورةً من صُور العطاء؛ فيقدُمُ المدينة وفي غُضونِ عامٍ يدخلُ الإسلامُ أكثرَ بيوت المدينة. ووقفَ سعدُ بن معاذ مُعبِّرًا عن عطاء الأنصار بالنَّفسِ والنَّفيس فقال: “يا رسول الله! والذي بعثَكَ بالحقِّ؛ لو استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخُضتَه لخُضناه معك، صِل من شئت، واقطَع من شئت، وخُذ من أموالِنا ما شِئت، وما نكرهُ أن نلقَى عدوَّنا غدًا، وإنا لصُبرٌ عند الحرب، صُدْقٌ عند اللقاء، لعلَّ اللهَ يُريكَ منَّا ما تقرُّ به عينُك”. أما ابنُ عباس – رضي الله عنهما – فكان عطاؤه: أنه يجلِسُ في الحرم بعد الفجر فيقول: “هيَّا، عليَّ بأهل القرآن”، فيأتي أهلُ القرآن فيقرأون إلى طلوع الشمس فيقول: “ارتفِعوا، ائتُوا بأهل الحديث”، فيسألونَه، ثم إذا انتهَى منهم قال: “ارتفِعوا، ائتُوا بأهل الفقهِ”، ثم أهل التفسير، ثم أهل العربية، وهكذا، ثم يُربِّي أصحابَه؛ فجمعَ في عطائِه الحُسنَيَيْن : بذلَ العلمِ، وكرمَ اليد. فهؤلاء هم قدوتنا‘ فهل نعتبر ونعطي ونتراحم بيننا البين ومن يريد الجنة فاليبادر إلى هذا الطريق ويظفر بها..
تصوير/ عبدالله حويس