الحوار .. ضرورةٌ لا اضطرار.
د. صادق القاضي
من الطبيعي، في بلد تحكمه مراكز قوى ينوي أيٌّ منها مبدئياً أن يكسر الجرة إذا لم يتمكن من شربها، أن يكون الحوار عملية اضطرارية، يفرضها مرحليا توازن القوى، وعدم فاعلية الغلبة، وهو ما يجعلها عملية آنية مؤقتة، وتفضي في كل مرة إلى الحرب.!
بين الحوار والحرب تشكلت ملامح تاريخنا السياسي المعاصر:
-الحوار المتكافئ أنتج “الوحدة اليمنية”، والاستحواذ والإقصاء دمرا “الوحدة الوطنية”.
– الحوار المسؤول أنتج “وثيقة العهد والاتفاق” فيما النوايا السيئة أنتجت نكبة(94م).
– الحوار المتكافئ أنتج دستور الوحدة المدني، فيما أنتجت الحرب دستور تحالف 94م.
– الحوار أنتج “مخرجات الحوار” و”وثيقة السلم والشراكة”، فيما الغلبة والاستقواء بالخارج أنتجا “عاصفة الحزم”.!
لا شك، سننتصر اليوم على العدوان الأجنبي والتحديات الخارجية، كما في كل مرة، لكننا ربما كما في كل مرة، سنفشل في الانتصار على نزعاتنا الفئوية، وطباعنا التي تبدو كما لو كانت مجبولة على الغلبة، وفي حال هذا الفشل، قد تنتصر فئة على أخرى ويهدأ الوضع مؤقتا، قبل أن تندلع الأزمات والحروب من جديد، الغلبة حل أسوأ من المشكلة، أما الحوار فهو الحل، كان كذلك دائما، وسيظل باستمرار هو الطريق الوحيد الممكن لأي مستقبل مدني حضاري منشود.
هذه المرة سيكون الحوار مطلبا دوليا مفروضا على الفرقاء اليمنيين من قبل المجتمع الدولي، لكن هذا لا يوفر ضمانة من أي نوع لنجاح هذا الحوار الذي يُفترض أن يكون أولا وأخيرا مطلبا يمنيا نابعا من قناعة ذاتية لمختلف الفرقاء، ورغبة حقيقية صادقة لجميع الأطراف، بتأسيس مرحلة مختلفة قائمة على الشراكة والتعاون والتعدد الخلاق.
الحوار ضرورة دائمة، وليس اضطرارا ظرفيا، استراتيجية بعيدة المدى، لا تكتيكا مرحليا عابرا، سياسة مبدئية لا شعارا للمزايدة.. نعم يمكن تجاهل الحوار، أو الالتفاف عليه، أو القفز على نتائجه، لكن ذلك أشبه بتجاهل ناموس كوني، سرعان ما يفضي، عاجلا أو آجلا، إلى كوارث محققة، كالأزمات والحروب المتتابعة التي عانيناها ونعانيها، وربما سنظل نعانيها طويلا، فهي جميعها نتائج منطقية لغياب الحرية وإقصاء الآخر، وتنكب الحوار .