مِن واقع الحياة
الأسرة/عادل بشر
بعد أن أنقذه من حالة التشرد والضياع التي كانت تهدد حياته واستأمنه على ماله وبيته، تنكر الشاب نبيل لذلك الجميل، مستغلاً سماحة الرجل وعفوه عنه في المرة الأولى ليرتكب الجرم نفسه مرة ثانيةـ وينتهي به المصير إلى السجن مع عتاولة الإجرام.
وفي تفاصيل القضية، فقد غادر الشاب نبيل مدينة الحديدة وهو مازال فتى في السادسة عشرة من عمره متجهاً إلى صنعاء للبحث عن عمل وكل ما يحمله من مدينته الساحلية كيسا صغيرا بداخله بعض ملابسه القديمة وأحلاماً صغيرة رسمتها مخيلته الغضة وشريطأً من ذكريات الطفولة استرجعه طوال رحلة السفر إلى صنعاء.
بدت مدينة الوصول مختلفة كثيرا عن مدينة المغادرة في نظر الفتى، شوارعها مزدحمة أكثر من غيرها وجوها مختلف كثيراً عن مثيلتها السمراء.
كان لابد لهذا الصبي أن ينال حظه من قسوة الغربة في هذه المدينة وظل أياما عدة شريدا في شوارعها ينتقل من مكان لآخر يبحث عن عمل يلائم سنوات عمره.
بينما الفتى نبيل دائرا في شوارع المدينة وقد نفذ ما يحمله من نقود جلبها معه من حيث جاء، هاجمه الجوع والعطش فلم يجد مفرا من مد يده إلى الناس والتسول منهم إلا أن ذلك لم يستمر طويلا فم تمض سوى ساعات قليلة حتى صادف رجلا متوسط العمر كان راكنا سيارته في زاوية الشارع فاقترب منه نبيل مادا يده السمراء طالبا حسنة لكن الرجل لم يعطه شيئا واكتفى بسؤاله من أين أنت ولماذا تمارس التسول؟
فكانت إجابة الفتى وصراحته مفتاحا لدخول قلب الرجل الذي اخبره انه بحاجة إلى شخص بمثل سنه يعمل لديه في البيت شغالا.
وأخيرا انتقل نبيل من حياة الشوارع إلى العمل في منزل هذا الرجل ويوما بعد آخر احتل مكانة عالية في قلب الرجل وأصبح يأتمنه على كل شيء وقام بتسليمه نسخة من مفاتيح المنزل بما فيها مفتاح مكتبه الخاص.
مر عام على عمل نبيل مع هذا الرجل وذات يوم دخل إلى مكتب رب عمله لينظفه ووجد درج المكتب مفتوحا وفيه مبلغ من المال يقارب 100 ألف ريال طار عقله حين راى هذا المبلغ دفعة واحده فأغراه الشيطان وقام بأخذ المال ولكنه لم يستطع الإنكار حين سأله صاحب المنزل عن المبلغ وأين اختفى من درج مكتبه باعتراف نبيل بأنه من أخذه وتعذر بمرض والدته وانه قام بإرسال المبلغ لهذا حتى تتمكن من دخول المستشفى متعهدا بإرجاعه في اقرب فرصة.
تسامح صاحب المنزل مع الفتى ولم يبلغ الشرطة عنه وجعله يستمر في عمله، وبعد مضي بضعه أشهر على تلك الحادثة وحلول شهر رمضان المبارك، غادر صاحب المنزل المدينة متجها مع أفراد أسرته إلى القرية مسقط رأسه تاركا المنزل وكل محتوياته في امانة الفتى نبيل، الذي لم يكن على مستوى الأمانة والثقة التي منحه إياها صاحب المنزل، حيث عاد الشيطان ليلعب بعقله من جديد ودفع به إلى خيانة الأمانة مرة أخرى ولكن هذه المرة ليس بسرقة مبلغ مالي، فصاحب المنزل لم يترك أي نقود في البيت، ولم يجد نبيل أمامه غير الأشياء الثمينة التي تنفع للبيع والاستفادة من ثمنها فقام بأخذ بعض أثاث المنزل من الأجهزة الالكترونية وبيعها لأحد التجار دون أن يفكر في عاقبة فعلته تلك ونسيانه للوعد الذي قطعه على نفسه بعد الحادثة الأولى وتعهده بأن يكون صبياً أمينا على ممتلكات الرجل الذي يعمل لديه.
انتهت إجازة عيد الفطر وعاد المسافرون إلى منازلهم وأعمالهم لممارسة حياتهم بشكلها الطبيعي ومن بين هؤلاء صاحب المنزل الذي يعمل لديه نبيل، وفوجئت الأسرة باختفاء جزء من أثاث المنزل ومباشرة وجهت الاتهامات لهذا الفتى وأصر رب البيت على تسليمه للشرطة إلا أن نبيل ارتمى عند قدميه يقبلهما باكيا راجيا منه العفو مقابل أن يختصم ثمن الأشياء المسروقة من مرتبه ومرة أخرى حسمت طيبة الرجل الموقف ووافق على هذه الفكرة.
كان لابد أن يعمل نبيل عدة أشهر بكاملها حتى يستطيع ان يفي مالك المنزل ثمن الأجهزة التي قام بسرقتها وبيعها فبدت في نظره عاماً كاملاً سيمضيه في العمل بدون أن يتقاضى راتبا ولم يجد أمامه غير ترك المنزل والهروب في اقرب فرصة.
وبعد شهر واحد من تلك العملية استطاع نبيل مغافلة الأسرة والهروب بعد أن اخذ كامل ما جمعه من فلوس خلال فترة عمله لدى الرجل الذي مد يده إليه قبل أكثر من عام مضى.
لم يفكر نبيل بمغادرة صنعاء إلى مدينة أخرى واكتفى بالرحيل عن الشارع الذي كان يعمل فيه والبحث عن عمل في شارع آخر من المدينة نفسها بحيث لا يجد فيه رب العمل السابق.
بعد مضي أسبوعين صادفه في الشارع العام ابن صاحب المنزل الذي كان يعمل فيه فامسك به وأوصله إلى مركز الشرطة متهما إياه بالسرقة وخيانة الأمانة.
فتح المحضر وسجلت أقوال المتهم نبيل الذي اعترف بكل أعماله وتم إحالته إلى المحكمة وأدين بخيانة الأمانة وكان العقاب السجن لبضعة أشهر وعودته بعد ذلك إلى مدينته التي قدم منها قبل عام ونصف للبحث عن عمل ليعود إليها بعد تلك المدة كما غادرها لا يحمل في جيبه سوى مصروف بضعة أيام بالإضافة إلى لقب “سوابق” والسبب خيانته للأمانة.