جامعة الدول العربية : منظمة غير حكومية بيد القوى الأجنبية

تحليل / اسكندر المريسي

مما لا شك فيه أن ما يسمى بجامعة الدول العربية التي سبق وان جرى الإعلان عنها عام ١٩٤٥م لم تكن نتاج وعي عربي مشترك بقدر ما عبرت حينذاك عن إعلان بريطاني واضح كان الهدف منه أن بريطانيا العظمى سعت بالنظر إلى الظروف الموضوعية والذاتية التي مر بها العرب عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وقبل توقف تلك الحرب تحديداً إلى إنشاء إطار جامع يشترط فيه مراعاة التجانس والأرض والبيئة لجهة مسمى سكان العرب وعلى أن يضم ذلك الإطار الكيانات والممالك المعلنة من اسر ومشيخات مختلفة أكان ذلك فيما عرف بالمملكة التي نشأت في نجد والحجاز التي سبق وان اشأتها بريطانيا في الدرعية .
إضافة إلى ما كانت تحيط بها من ممالك أخرى جرت تسميتها بالسلطنات والمحميات الانجليزية في الخليج ناهيك عن مصر والسودان اللتين كانتا تحت الانتداب البريطاني ثم بلاد الشام بالنظر إلى فرنسا كان لديها اتفاق مع انجلترا لا علاقة لها باتفاقية سايكس بيكو ثم الشريف حسين في الأردن على اثر مراسلات مكماهون الحسين قبل أن تتشكل المملكة فيما كان الوضع في العراق أيضاً يرزح تحت السيطرة البريطانية.
وفي بلاد المغرب كان التقاسم واضحاً والصراع جارياً بين القوى الاستعمارية القديمة وما نتجت عن ذلك من اتفاقيات معلنة عبرت عن عدة إدارات لمسمى الأرض المسلوبة كما كان الحال في شمال أفريقيا والذي ضم تونس والمغرب والجزائر موريتانيا ناهيك عن الصومال وجيبوتي تحت السيطرة الأجنبية وجنوب اليمن سابقاً باستثناء ما عرفت حينذاك بالمملكة اليمنية المتوكلية فقط لا غير كانت خارج السيطرة الأجنبية ومع ذلك رحبت بإنشاء الجامعة العربية وانضمت إلى ذلك الإعلان وعلق الامام يحيى حينذاك قائلاً “بين اخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب” مع أن بريطانيا وراء هذه الجامعة .
معنى ذلك أن مسمى جامعة الدول العربية رابطة أنشأتها بريطانيا وانضمام اليمن إليها جاء كما اشرنا نتاج مطالبات سابقة ثم تقديراً للحالة القائمة في المنطقة العربية .
وهو ما يعني بالتأكيد أن فكرة الجامعة العربية كان يراد لها وفقاً للمرسوم البريطاني الذي أعلن عنه مجلس اللوردات عام ١٩٤٤م أن يكون العرب أصدقاء بريطانيا وان يكون لهؤلاء الأصدقاء كيان جامع نستطيع من خلاله أن نحكم الأرض التي تم احتلالها ، هذا ما عبر عنه مجلس العموم البريطاني على أساس العمل سوياً للحد من الحركات العربية داخل الأقطار العربية المناهضة للقوى الاستعمارية بكافه أشكالها وأنواعها .
لأن مسمى جغرافية العرب حينذاك من المحيط إلى الخليج باستثناء شمال اليمن فقط كانت تلك الجغرافيا وكذلك الحالة القائمة في فلسطين كلها ترزح تحت السيطرة الأجنبية ، وهو ما يعني أن ذلك الكيان لم يكن عند مستوى آمال وطموحات المواطنين العرب وبالتالي عقب ظهور الحركات أو ما يسمى بالثورات سعت الجامعة إلى أن تخرج من تحت السيطرة البريطانية وعملت على ذلك قدر الاستطاعة ولكن انتكاسة الحركات القومية وفشل الثورات العربية اظهر تلك الجامعة ليست عاجزة فحسب ولكنها صارت منظمة بيد القوى الخارجية تعمل ضد العرب باسم العرب وتعمل على تغييب العرب باسم العرب أيضاً .
ومما يؤكد حقيقة ذلك هو أن الجامعة العربية فشلت فشلاً ذريعاً في حل أي مشكله داخل الأرض المسماة بالعربية ويرجع ذلك إلى جملة حيثيات أبرزها أن الدافع لإنشاء جامعة الدول العربية بالنظر إلى حسابات وتقديرات السياسة الخارجية البريطانية هو أن تكون مشكلة وليس حلاً ، لمضاعفة المشكلات العربية القائمة .
وان كان بالتأكيد قد جرى عقد سبع وعشرين قمة خصوصاً بعد عقد الستينيات إلا أن الواضح أن الجهة التي اقترحت مسمى (القمة) عندما نطرح ذلك المصطلح على بساط البحث والمناقشة فإن المعنى المراد له بما تتضمنه كلمة القمة العلو والشموخ والارتفاع إلا أن التدقيق في طبيعة المصطلح ودوافع المقترح أنه على صلة وثيقة بالعهد الماسوني لجهة مسمى الرؤساء والملوك الذين اغلبهم بحسب التوصيف السابق أصدقاء بريطانيا ثم ينعكس ذلك على الأوضاع العامة للمواطنين العرب بشكل كامل .
أي أن هناك انتصاراً جوهرياً في شكله ومضمونه بين من هم في القمة الذين يتبعون دوائر الهيمنة والقوى الاستعمارية وبين مسمى العرب المواطنين الذين هم في الحضيض بالنظر لما يعانيه العرب خصوصاً في الظرف الراهن من تحديات مختلفة لم يعد مسمى المجالس العربية كما كان سابقاً نظراً لثلاثة مسميات تمثلت بمجلس التعاون والاتحاد العربي والاتحاد المغربي هذا مع إغفال ما تمت من معاهدات على أساس فكرة الوحدة مع استثناء وحدة مصر وسوريا التي استمرت من عام ١٩٥٨م إلى ١٩٦١م .
حيث أخفقت التجارب الوحدوية وتراجعت تلك التجارب في ظل هيمنة الكيان الصهيوني وسيطرة اليهود على بيت المقدس ثم على الممالك التي انشأوها والكيانات التي أقاموها بأسماء عربية مع أن ذلك في الحقيقة والواقع ليس إلا من أعمال اليهود وهو ما يتجلى بالظلم الواضح الذي يتعرض له العرب لأنهم بالتأكيد مظلومون بأسمائهم حتى وبأحوال الشعب العربي وما يعانيه من حروب داخلية ونزاعات مختلفة .
حيث شن الكيان الصهيوني سلسلة من الحروب مع الدول الاستعمارية كان أبرزها ما حصل عام ١٩٤٨م ثم ١٩٥٦م وكذلك عام ١٩٦٧م ثم ما جرى من سيطرة واحتلال لمرتفعات الجولان ولهضبة سيناء ولأجزاء من الأردن ولبنان كان ذلك تحت يافطة ومسمى جامعة الدول العربية وما تشتمل عليه من مواثيق ومن اتفاق ينص على الدفاع العربي المشترك لم ينفذ منه شيء خصوصاً عقب العدوان على العراق وكذلك ما حدث من حرب في الخليج مطلع عقد التسعينات جاء إعلان دمشق عام ٩١م كآخر محاولة لمنع فشل جامعة الدول العربية ثم أن إعلان دمشق حذر حينذاك من دخول العرب مرحلة الانقراض بسبب التكتلات والقوى الاستعمارية التي يتعاملون معها من خلال دولهم وكياناتهم المعلنة.
إلى درجة أن الجامعة العربية ظهرت كمنظمة غير حكومية تخدم السياسات الدولية ولا تستطيع أن تقدم أي حل لما آلت إليه الأوضاع العربية وما يؤكد حقيقة ذلك أن مسمى اجتماع نواكشوط اظهر في الحقيقة والواقع أسوء بيان ختامي في تاريخ المؤتمرات العربية منذ نشأة الجامعة وحتى اللحظة الراهنة وليس ذلك فحسب وإنما اظهر ذلك الإعلان وفاة العرب .
وان كان ذلك غير صحيح إلا أنه من الناحية المجازية فإن إعلان نواكشوط التي عقدت فيها القمة منذ نشأة الجامعة قد اظهر التدني والتدهور والغياب من ناحية الحضور وإنما بالنظر إلى الحالة القائمة نعياً واضحاً لجامعة الدول وميثاقها فذلك البيان مقارنة بالبيانات السابقة يعلن القبول بالمبادرة الفرنسية ويرجع ذلك إلى أن موريتانيا لا تمتلك أي قرار مستقل مما اثر على بيان القمة،
حيث احتل تأييد المبادرة الفرنسية الأولوية وبالمقابل من ذلك جاء القول في البيان الختامي إعلاء شأن اللغة العربية بينما اللغة الانجليزية في موريتانيا تحتل المرتبة الأولى .
هذا التناقض الواضح يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك بأن أولئك المعنيين بذلك البيان الختامي لا علاقة لهم في مسمى العرب من قريب ولامن بعيد وان كان الواضح أيضاً أن التركيز في البيان الختامي ليس على تأييد السياسة الدولية فحسب ولكن الدعوة إلى تطبيقها أكان ذلك في ما يخص الصومال أو فيما يخص المبادرة الفرنسية فيما تدعم باريس وترسل الجنود إلى ليبيا لقتل المواطنين تحت مسمى البحث عن معلومات استخباراتية إضافة إلى ذلك أشار البيان إلى الحالة العراقية كتحصيل حاصل ثم التأكيد في جانب آخر على استكمال بناء الدولة في ليبيا والصومال دون إدانة للتدخلات الخارجية خصوصاً للتحالفات والمحاور التي تشترك في حروب وأعمال عدوانية ضد الشعوب العربية أبرزها العدوان السعودي على بلادنا .

قد يعجبك ايضا