خالد عبدالمنعم *
في نوفمبر من العام الماضي هددت بريطانيا السعودية بوقف مدها بالأسلحة إن أثبتت التحقيقات أن الرياض خرقت القانون الدولي الإنساني في حرب اليمن، وقتها طالبت المملكة المتحدة بإجراء “تحقيق جدي” في الهجمات الجوية السعودية في اليمن، وقال وزير خارجيتها السابق فيليب هاموند إنه ناقش “قضية الضربات الجوية مع السعودية في الأسابيع الأخيرة”، مشيرًا إلى أن “أسلحة بريطانية تستخدم في اليمن، وأن تأكيدات السعودية بالالتزام بالقوانين الإنسانية لا تكفي”.
وفي فبراير من العام الجاري حض البرلمان الأوروبي الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى السعودية. ودعا البرلمان بريطانيا وفرنسا وحكومات دول الاتحاد الأخرى إلى التوقف عن بيع الأسلحة إلى بلاد تُتهم باستهداف المدنيين في اليمن، حيث أبدى النواب الأوروبيون قلقهم من أن “الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية والحصار البحري الذي تفرضه على اليمن قد تسببا في وفاة الآلاف باليمن وفي إثارة الاضطراب فيها”.
لم يطل صمت بريطانيا حول تصويت البرلمان الأوروبي، إذ أكد رئيس الحكومة البريطانية السابق ديفيد كاميرون في تصريحات استمرار بريطانيا في توريد الأسلحة للسعودية رغم تصويت البرلمان الأوروبي بفرض حظر على توريد الأسلحة للرياض.
وتحدث كاميرون خلال زيارة لشركة “بي إيه اي سيستمز” المختصة بالصناعة الدفاعية والجوية في مدينة برستون البريطانية عن دور الحكومة البريطانية في بيع الشركة المعدات، بما فيها الطائرات القتالية “يوروفايتر تايفون” للسعودية وسلطنة عمان وبعض الدول الأخرى.
في الآونة الأخيرة باتت صفقات السلاح التي تحصل عليها السعودية من بريطانيا محلًّا للجدل، في ظل الزيادة المطردة لتلك الصفقات، حيث بلغت قيمة الأسلحة والمعدات العسكرية التي باعتها الحكومة البريطانية للسعودية 4.18 مليار دولار خلال العام الماضي.
الدعم البريطاني للمملكة قابله قلق من قبل منظمة الأمم المتحدة، حيث أصدر الأمين العام لها بان كي مون تصريحًا غير متوقع منتصف فبراير الماضي، عندما حث الدول ومن بينها بريطانيا على وقف تدفق الأسلحة للقوات التي تقودها الرياض في اليمن، الأمر الذي لم تلتزم به بريطانيا، وحافظت على وضعها العسكري الداعم للمملكة.
الأسلحة البريطانية لقمع المعارضين في اليمن والبحرين
لا يخفى على أحد دور بريطانيا في دعم الرياض بالسلاح لقمع حركة أنصار الله في اليمن المعارضة للسعودية، حيث تطالب الحركة بعدم تدخل المملكة وكذا الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لليمن، حيث ذكرت صحيفة «جارديان» البريطانية أن الجدل بشأن دول الخليج كان بسبب الدور البريطاني والأمريكي في العدوان السعودي باليمن الذي بدأ في مارس 2015م، فإجراءات تسليح دول الخليج كانت دون تفكير في العواقب وانعكاسات هذا التسليح على أزمات منطقة الشرق الأوسط.
وتابعت الصحيفة إن السعوديين وحلفاءهم بشكل واضح يقصفون أهدافًا مدنية باليمن، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، حسب تقارير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي أكدت أن هذا ما تفعله السعودية بالأسلحة البريطانية، وتستطرد الصحيفة إن بريطانيا متورطة بشكل كبير في مساندة الحرب العسكرية ضد اليمن، وكشف تحقيق ميداني جديد لـ BBCعن أسلحة بريطانية محرمة استخدمها العدوان السعودي في اليمن.
هذا ولم يقتصر دور السلاح البريطاني في قمع معارضيها في اليمن، بل تعداه إلى البحرين، حيث أخبر الناشط البحريني عيسى العالي هيئة محكمة في لندن بأن مسؤولية تقع على عاتقهلمنع وصول الأسلحة البريطانية إلى الأنظمة القمعية، وخاصة في بلده البحرين. جاء ذلك خلال دفاعه في شهر إبريل الماضي في محكمة “ستراتفورد” شرقي لندن، أثناء جلسة محاكمته مع نشطاء آخرين. ومن المعروف أن السعودية تدعم الأنظمة القمعية في البحرين ضد المعارضة البحرينية، عبر ما يسمى بجيش درع الجزيرة المكون من دول مجلس التعاون الخليج وتترأسه المملكة. وتشير معلومات صحفية إلى أن بريطانيا من أهم الدول التي تسلح الجيوش الخليجية، حيث قالت صحيفة جارديان إن بريطانيا تعمل منذ عدة سنوات على تسليح السعودية ودول الخليج الأخرى، وتثق أن تلك الدول لن تستخدم الأسلحة بشكل يهدد مصالحها، لذا بدا المخطط مثاليًّا لبريطانيا.
ويبدو أن السلاح البريطاني أصبح له دور فعال حتى في قمع المعارضة السعودية في داخل المملكة، حيث نشرت صحيفة “تايمز” البريطانية تقريرًا الثلاثاء الماضي بقلم “جيمي ميريل” بعنوان “أسلحة بريطانية استخدمت لتصفية معارض في السعودية”، حيث تطرقت الصحيفة في تقريرها إلى تصفية المواطن عبد الرحيم الفرج في القطيف بالسعودية في شهر رمضان الماضي. وكشفت الصحيفة عن أن السلاح الذي استخدم في قتله بريطاني، تنتجه شركة “برايم تيك” التي تتخذ من منطقة “لنكولن شاير” مقرًّا لها، حيث يعرف السلاح الذي استخدم باسم RAM، وهو سلاح يتيح لمستخدميه اقتحام البيوت وتحطيم أقفالها، ويسبب إصابات بالغة لو تعرض له الأفراد.
وأوضحت الصحيفة أن صورًا وأدلة من موقع الجريمة توضح أن فرج قتل بواسطة هذا السلاح. ونقلت الصحيفة عن أحد خبراء التشريح ويدعى “ديفيد بريور” قوله إن “الإصابة التي تظهر على الرجل اليسرى للمعارض تظهر أنها ناجمة عن طلقة كبيرة وليست عادية كتلك التي تستخدم ضد الأفراد، وهي مشابهة لتلك التي تنتجها وتصدرها الشركة البريطانية”.
كانت شركة “برايم تيك” حصلت على ترخيض من الحكومة البريطانية؛ لتصدير أسلحة للسعودية عام 2013م. والجدير بالذكر أن بريطانيا صدّرت أسلحة للسعودية بلغت قيمتها 6.7 بليون جنيه استرليني منذ 2010م.
*كاتب صحفي مصري