التوحش التركي إلى أين !!؟
أحمد عبدالله الشاوش
حالة من ” التوحش” قادة تركيا في الفترة الأخيرة ، لاسيما بعد الانقلاب الفاشل الذي هز أركان الدولة التركية وهدد أمنها واستقرارها وديموقراطيتها ، وبث الرعب في صفوف قادة وكوادر ومليشيات حزب العدالة والتنمية وكذلك الطيف السياسي للأحزاب الأخرى التي نزلت إلى شوارع أنقرة واسطنبول انتصاراً للحرية وكبح جماح العسكر.
ورغم ولادة الانقلاب ميتاً منذ الطلقة الأولى ورغم المشهد الدرامي الأكثر إثارة وغياب الخبرة السياسية ورعب القارة الأوروبية من شبح الإرهاب ورهان الانقلابيين على السخط والتذمر الشعبي من تصرفات الرئيس رجب طيب اردوغان و” سطوة” حزب العدالة والتنمية في كافة مفاصل الدولة التركية، و”الهوة ” الكبيرة وحالة العداء والحقد الدفين بين ” توحش ” مؤسسة الجيش حماة العلمانية والـ ” توحش ” الاردوغاني الذي يمثل الإسلام السياسي ، إلا أن الموروث الثقافي والسياسي العقائدي السلبي أنتج سياسة الخلاف والاختلاف تاريخياً حد الاقتتال ، ما ألقى بظلاله على الدولة التركية منذ أيام الخلافة التي اختزلت العديد من المؤامرات والفتن والكراهية بين القوميات والطوائف والمذاهب والأحزاب وفي مقدمتها النخب التي أنهكت بالخلافات الداخلية والمؤامرات الخارجية وأدت إلى دولة الرجل المريض .
وهاهو مسلسل الرجل المريض يتناسخ بين فترة وأخرى وتظهر معالمة البشعة والمرعبة بالانقلابات الستة ، ومازال رعب تلك الانقلابات قائماً حتى اللحظة وفقاً لقراءة المشهد السياسي وتحذيرات ” اردوغان” .
ورغم أن حزب العدالة الذي صعد إلى السلطة بالطرق السلمية واختار النهج الديمقراطي وآمن بأن صندوق الانتخابات هو الخطوة الأولى لحكم الشعب والشرعية الحقيقية لترجمة إرادة الشعب وإدارة الدولة وهو ما مكن اردوغان من تحقيق عملية التنمية والبناء في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية و..الخ وهذه حقيقة لا يغفلها إلا جاحد أو باغض ، وساعد في هذا الرخاء دول إقليمية ودولية من بينها استثمارات خليجية وأوروبية وإسرائيلية وأمريكية ورؤس أموال الأخوان المسلمين والمتعاطفين مع التجربة التركية في العالم ، نتيجة للعلاقات والمصالح المشتركة .. كما أن الموقع الفريد لتركيا الذي يربط بين قارتي أوروبا وآسيا والقاعدة العسكرية لواشنطن والغرب في مواجهة روسيا وإيران كان له أثره .
ورغم تلك التنمية والدور الريادي لتركيا في المنطقة ، إلا ان اردوغان مع الأسف الشديد جسد ” شخصيتين” وأصبح بين ” نارين” ، فحالة التوحش الاخوانية ذات الماركة ” المؤدلجة ” المسلحة ببندقية مليشيات الأخوان العالمية ويافطة الديمقراطية قد ألقى بظلاله على إشعال منطقة الشرق الأوسط من خلال تصدير إرهاب عناقيد وجماعات الإسلام السياسي بعد ان تحول إلى تاجر حرب ومتعهد لتمرير مشاريع دولية من خلال قيادة الربيع العربي والزج بالعناصر الإرهابية المتطرفة من جماعة الأخوان المسلمين وحاملي الفكر ” الوهابي ” المتطرف تحت مسميات القاعدة وداعش والنصرة ،، لتدمير الجيوش العربية وأنظمتها في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ،، التي يرى في بقائها وعنفوانها خصماً ومعولاً لتدمير أحلام امبراطوريته العثمانية المتدثرة بالإسلام السياسي ، مقدماً خدمة جليلة لإسرائيل وأمريكا لم تحلم بها منذ اتفاقية سايس بيكو .
وبغض النظر عن الانقلاب العسكري الفاشل من عدمه والآراء والتحليلات التي ذهب بعضها إلى أن الانقلاب حقيقة أو مسرحية وفشله الذريع ونزول الشعب إلى شوارع أنقرة وإسطنبول لحماية الديمقراطية بدعوة من اردوغان أو من الخائفين على مناخ الحرية ، فإن حالة ” البطش ” الجبارة ، وردود الأفعال المؤيدة والمنددة والمتربصة ، إلا أن الانقلاب كشف بما لا يدع مجالاً للشك أن الفجور في الصراع السياسي والعقائدي والقومي والمذهبي والمناطقي قد بلغ ذروته في الاحتقان وإن كان تحت ” الرماد ” وان ذلك الصراع يجري في دماء الأتراك ، نتيجة لعمليات ” الشحن “التاريخية وان حالة الحقد والتخوف التراكمية والقمع المتأصل والاقصاء الممنهج واحياناً الناعم ، قد فجر بركان الغضب في مؤسسة الجيش ، وأن حالة التوحش ” الاردوغاني ” بعد فشل الانقلاب رفع حالة ” السُعار” التي انتابت الرئيس التركي وحكومته ومليشيات حزب العدالة ومليشيات كوادر الأخوان المسلمين الفارين من الدول العربية وأوروبا والمتواجدين في فنادق إسطنبول ومعسكرات التدريب لقيادة الإرهاب في بلدانهم عن بُعد, تجاوزوا الدستور والقوانين الوطنية والإنسانية وتحولوا إلى جلادين في الساحات وأبعد ما يكون عن الديمقراطية والشرعية التي أساسها الحفاظ على إنسانية الإنسان وتجعل القانون هو الحكم والفيصل في محاسبة الانقلابيين أو العابثين بأمن واستقرار تركيا.
إن المشاهد المروعة والصور المخزية والمهينة التي نقلتها وسائل الإعلام التركية والدولية التي وصلت إلى حد تجريد الانقلابيين من ملابسهم العسكرية هو قمة ” الانتقام ” والطغيان والتسلط والإفلاس الأخلاقي والإنساني والسقوط الديني رغم ما يتشدق به قادة العدالة والتنمية من المثل الاستهلاكية وتشويه للمبادئ الديمقراطية التي تم استغلالها أسوا استغلال .
وأكثر ما صدمني انا كمواطن عربي ومسلم والشعب التركي والأحزاب التي رفضت الانقلاب وعبرت عن انتصارها للعملية الديمقراطية والرأي العام الدولي هو حالة التعذيب والتشوهات التي ظهرت في صور المتهمين ، وافظع من ذلك حالة الاجتثاث والإقصاء والاستغناء والتهديد بتقديم الاستقالات التي طالت 9000 عسكري ، 8000 شرطي وأكثر من 15 ألف تربوي و5 آلاف قاض وعضو نيابة و118 جنرالاً 492 موظفاً في الشؤون الدينية و257 موظفاً في رئاسة الوزراء و100 من منتسبي الاستخبارات و1500 من موظفي وزارة المالية و25 مؤسسة إعلامية من بينها مؤسسة الداعية الإسلامي المعارض فتح الله غولن المتهم الرئيسي في الانقلاب .. وعدد كبير ممن تمت تصفيتهم من قبل مليشيات حزب العدالة والتنمية واعتقالهم والزج بهم في سجون علنية وسرية من قبل الحكومة التي تحولت في عصر الخليفة ” اردوغااااان ” تركيا بعد الانقلاب الأخير إلى محاكم التفتيش في العصور الوسطى ، في عصر يتباهى العالم فيه زوراً بالمدنية والانتصار لحقوق الإنسان ويرفع يافطات الديمقراطية التي تساهم أحياناً في صناعة الطغاة بأغلبية الأصوات وتبرر للقمع وتجعل من الشرعية معولاً لتدمير النسيج الاجتماعي والبلدان تحت عصاء الأغلبية وتهميش القوى الفاعلة أو دولة الظل والكيانات الموازية .
رغم أن الديمقراطية لا تقوم على فكرة القمع وانتهاك كرامة الإنسان مهما أقدم عليه من فعل ضار وإنما بتفعيل القوانين والعمل بالدساتير ، بعيداً عن ” سُعار ” وحمى الايدلوجيات التي أصبح العالم يئن منها ، ونزعة السلطة والتسلط التي من شانها أن تتفجر بين ساعة وأخرى آناء الليل وأطراف النهار لتهوي بأحلام ” السلطان ” أو أي سلطان آخر في المعمورة .
فهل يكف سلطان تركيا سُعار الانتقام وعمليات الاجتثاث وفوبيا الإقصاء ولغة التهميش والتراجع عن حالات الاحتقار وسادية التلذذ بمشاهدة عناصر الانقلاب بدون هدوم ، مفعلاً الحكمة وواخزاً الضمير الإنساني وجاعلاً الدستور والقانون التركي هو الفيصل في خلاف أو أي تهور ، ما لم فإن ” القاااااادم ” أسوأ وما كل مرة تسلم ” الجرة ” والله من وراء القصد.