جحّاف لم يمت ..!

عبدالرحمن غيلان

” ميّان له عزّ ! من فارق ديار امحبايب
وكيف يهناه زاده
من سيّب امزهب واموادي وهوش امزرايب
وخيمته وامقعاده
يدعس على امزرب يتكشّم سموم امصايب من عاف عيشة بلاده
وعن هواها شرد بعد امطمع في سواها
صدّق لشور امشود وقال ما عد يشاها
يهناه عيش أمنكد ما دام بارح رباها ”
قليلون هم من يرصدون وجع حياتنا على حقيقتها بلغةٍ شفيفةٍ أرقّ على القلب من نسمات الهواء ..
نادرون جداً من يركضون في الحروف نيابةً عن آهاتنا وانفعالاتنا وآلامنا وآمالنا ثم يكتبون كلّ ما نودّ البوح به وما لا نتجاسر عليه أحياناً بطريقةٍ أبسط ما يكون ولوجاً لعمق النفس ، وأصعب ما يكون في اعتمالاتها واحتمالاتها ، ثم يقدّمون ذلك على طبقٍ من حياةٍ بهيجة رغم الألم ، ومن مصيرٍ مأساويّ رغم احتمالات النجاة .. وتلك هي بعض عظمة شاعرنا الكبير الراحل علي عبدالرحمن جحاف طيّب الله ثراه .

أريد أن أقول،  إنّ الإنسان الشاعر الذي استطاع أن يسكن في قلوبنا ضيفاً دائماً خفيف الظلّ لم يمت ..
إذ هو في حقيقة يومياتنا ،
وفي تفاصيل استجابتنا للحياة ،
وفي رصيد قرابيننا لمن نحبّ ،
وما نكره ،
وفي أول أجوبتنا لأسئلة الحياة
وما الذي ينبغي إزاء مواقفها المختلفة .
إنّ المفردة البسيطة التي تصل لقلب المتلقّي لا تعني أن كاتبها لا يُمثّل أهميّةً في وسطه الأدبي .. بل إن الشعر السهل الممتنع له عمالقته الذين تميّزوا بالوصول السهل للقلوب والعقول معاً ، بطريقتهم التي لا تشبهها طريقة .. وتلك سجيّة تميّز بها شاعرنا الكبير جحاف كبقية سجاياه الأدبية ، إضافة لبساطته العظيمة في سلوك حياته ، وزهده الكبير .
على الشاعر الحقيقي أن يقول ما ينبغي .. وقد قال الشاعر علي عبدالرحمن جحاف ما ينبغي قوله في مختلف مجالات الحياة ، وسخّر شعره لتلك التفاصيل الصغيرة والكبيرة من القضايا الشخصية للناس والهموم الكبيرة للمجتمعات ..
راصداً
ومقترحاً
وفيلسوفاً
وحكيماً قلّ نظيره في وطنٍ متعدّد الهموم كاليمن .

ولقد كان من أكثر الشعراء دعماً للجيل الإبداعي الجديد ، دون تذمّرٍ أو ازدراءٍ أو ترفّعٍ بمستواه عن مستوياتهم المتواضعة ، بل كان أباً وأخاً وصديقاً للجميع .. يُفصحُ عمّا يريد بلا مواربة ، وينجو بمن يلتجئ إليه بحصيف القول وبخلاصة المعنى .
في الحقيقة أجد نفسي عاجزاً عن الكتابة أمام قامةٍ شامخة تسكن النفوس والأفئدة العليلة ،
وتسري بروائعها الأرواح الجريحة ،
وتلجأ لخلاصاتها الدروب العصيّة ،
وتستيقن بأهازيجها واكتمالاتها العقول الصدئة ،
لتجد في حقيقتها غايتها ،
وفي تفاصيلها فهرسها وامتثالها للحياة .
رحم الله شاعرنا العملاق علي عبدالرحمن جحاف ، وأسكنه فسيح جنّاته ، وألهم أهله ومحبيه وجمهوره الملاييني الصبر والسلوان في ما تركه من إرثٍ كبيرٍ بحجم الوطن .. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

قد يعجبك ايضا