الشيخ/ عبدالناصر التيمي
الصراري.. الطبيعة الفاتنة والإنسان والإنسانية , العلم والعمل , الأخلاق والحب ,العقل والروح , سماتٌ تمتاز بها هذه القرية عن غيرها من القرى , إليها تهفوا الأرواح وتحن إليها القلوب , جمالها ساحر ,وأهلها ما بين حامدٍ لله وذاكر .
قريةٌ لم تبخل بعطائها تجاه أخواتها من القرى المجاورة , فكانت حلقاتها العلمية هي المنهل الذي يقصده طلاب العلم من شتى المناطق , فما من عالمٍ ولا أديبٍ ولا مثقفٍ ولا طبيب ولا مهندس في القرى والعزل القريبة منها إلا ولهذه القرية حقٌ عليه .
قرية لا تزال تسري في ممراتها رائحةُ العود والبخور الفوّاح من مجالس الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم , حيث يخلع الإنسان همومه ودنياه , ليعيش ساعة صفاء , يُلقي فيها بالدنيا خلف ظهره وعقله .
إليها تتسابق أقدام المحبين والعشاق الهائمين في الباهوت الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم , يجولون في طرقاتها يتنسمون عبق الولاية المستقر فيها ,ويملأون أعينهم من مناظرها الروحانية المُسبحة لله , ويطرقون رؤوسهم استعداداً لتلقي المدد القادم من السر المستودع في صالحيها الذين لا تخلو منهم القرية .
ففي هذه القرية المباركة يقع ضريح الشيخ العارف بالله جمال الدين الجد الأكبر لآل الجنيد , والمتوفى في القرن العاشر الهجري , وبجانبه وفي أرجاء هذه القرية تقع أضرحة أولاده من أولياء آل الجنيد وعلى رأسهم السيد الولي يحيى عبدالمعطي الجنيد والذي أُشتهر بحِكمه لذلك قال عنه الناس بابن عطاء العصر تشبيها بابن عطاءالله السكندري …
ولا يزال هذا السر المتصل بالحضرة المحمدية يتنقل فيهم جيلاً بعد جيل , فهم فرعٌ مبارك من شجرة مباركة تؤتي أُكلها كل حين بأذن ربها ,فبهم يتميز الحق من الباطل ,والدين المحمدي الحق من كل دعوى أُلبست زوراً ثوب الإسلام , وتلكم هي ميزة آل البيت الكرام .
كانت الصراري هي القرية الوحيدة في مدينة تعز التي استعصت على الفكر الوهابي التكفيري حينما وفد على اليمن تحمله أوراق البنكنوت في القرن الماضي , حيث إنكسر زحفه وهُزمت دنانيره فهرب يجر أذيال الخيبة , يحث على رأسه التراب ويدعو على نفسه بالويل والثبور , فالرجال لا يبيعون كرامتهم بعرض من الدنيا ,بل و بالدنيا كلها , لأنها لا تساوي عندهم شراك نعل طفلٍ منهم .
وها هي اليوم قرية الصراري تطل شامخة بذلك الكبرياء المحمدي , الذي لا يركع ولن يركع للظالمين والمستكبرين ,ترفع هامتها إلى السماء تعلن أن لا ركوع إلا لله ,فبعد عام وبضعة أشهر من الحصار الذي تفرضه عليها مليشيات المرتزقة ممن باعوا وطنهم بحفنة من أموال بني سعود القذرة , جاءت لتذكرنا بذلك الحصار الذي فرضه المشركون على جدهم صلى الله عليه وآله وسلم من قبل في شعب أبي طالب عليه السلام, فما وهن ولا فتر أحدٌ من آل بيته عليهم السلام , ليتكرر ذلك الصبر والعزيمة والثبات في هذه القرية المباركة .
اليوم تتعرض الصراري لأقذر عدوان يستخدم فيها المرتزقة كافة أنواع الأسلحة , يفرغون به جام حقدهم على الصراري بنياناً وإنسانا ,إذ طالما إزعجتهم أصداء أصوات حلقات الذكر التي كانت تتصاعد من هذه القرية ,تلكم الحلقات التي كانت تتراقص على أنغامها أحجار المنازل والدور , وتتلوا الأوراد مع الذاكرين الأشجار والأزهار , وتسجع بمعيتهم قصائد السماع في حب الله ورسوله العصافير والطيور , وهل للطباع السبعية أن يُحركها الجمال نحو المقامات العلوية .
نعم، إنه الحقد الدفين في قلوب هؤلاء الوحوش البشرية , والذين لا هَم لهم سوى قتل الأخلاق المستقرة في سرائر أهل هذه القرية المباركة , والذين تتجلى فيهم أخلاق جدهم الذي لا ينطق عن الهوى ,والتي هي بحد ذاتها لب رسالته صلى الله عليه وآله وسلم , ووسيلته في دعوة الخلق إلى الحق.
وإلا فما هو الذنب الذي ارتكبه سكان هذه القرية ؟ وما هو الجرم الذي فعلوه ؟ أهو نسبهم الشريف ؟ أم مواقفهم المستنيرة برفض الوهابية أولاً ؟ ورفض العدوان ثانياً ؟ والوقوف في صف الوطن؟
تباً لكم أيها المرتزقة , أيها العابثون بأمن هذا الوطن البائعون دينهم وكرامتهم بما يُلقى إليهم من بقايا فضلات قصور أمراء النفط والمجون ,وتلك هي المهانة والخزي والعار في الدنيا والآخرة , ولسوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
• نائب رئيس ملتقى التصوف