مايو .. ثقافة ومصير
عبدالرحمن غيلان
* هذا اليوم العظيم .. يوم الثاني والعشرين من مايو وهو يتسرّب في دمائنا ووجودنا ألقاً استثنائياً لا مثيل له في تأريخ اليمن الحديث .. يدفعنا للمبالغة في تدليله ليس حنوّاً عليه بقدر خوفنا على وهجه من خفوتٍ مريب .. أو انطفاءٍ مفاجئ .
ولكي نحافظ على سموّ ونبل هذا اليوم يجب علينا أن ندرك ماهيته وحقيقة أبعاده المترامية الآفاق والمكتظّة بالمعاني السامية والعطاءات المتوقدة والتي تحوم حولها الكثير من الرياح المكفهرّة .. وتتناوشها سهام الإخوة الذين لا يفقهون من معاني الوحدة سوى أنها وحدة أرض قد تفصلها أسلاك وتتوسطها جدران سميكة تحجبُ شدوها .. وتمرج بحرها .. وتذبح غيوم سمائها بسكين الجفاف وسوء الطالع .
ولكني أعتقدُ في هذا اليوم الشاهق بوحدة الإنسان قبل وحدة الأرض .. ولولا يقين العقول .. وحداء القلوب .. ولهفة الضلوع .. والشعور العميق بالانتماء .. لما حصدنا وحدة حقيقية تتناقلها الأجيال وعياً وسلوكاً والتزاماً تلقائياً بالمحبة والتسامح والإيثار والعدل والتساوي جميعاً أمام القانون .. بعيداً عن أيّ إقصاء أو تهميش أو مزايدة أو التفاف غير مسئول على أصدق استحقاق وأرقى سلوك بشريّ يُحتذى به .
هذا اليوم العظيم بأهدافه .. الكبير بأبعاده .. الكثير بفرائحه .. يتطلّب منّا أن نعمل له لا عليه .. ونمضي به لا إليه .. ونحفظه في قلوبنا وعقولنا قبل حروفنا واحتفالاتنا الموسميّة .
هذا اليوم يتطلّب منّا الكثير كيمنيين آمنوا بالوحدة بين الشمال والجنوب تترفّع على كل الأحقاد والأوجاع .. وتمضي بالوطن نحو وجود متكامل للجميع دون انتقاص حقّ أو مغالاة طرفٍ ضدّ آخر .
هذا اليوم تنبني عليه ثقافة ماضٍ وحاضر ومستقبل بعيداً عن الركض في تأليه الأشخاص وتقديم مصالح الشعب خدمة دنيئة لأيّ عابثٍ يُذكي دمار اليمن .
على المثقف اليوم أن ينحاز للوطن لا للأشخاص .. ولحقوق المواطن المُرهق لا للنخبة المتفيّدة من نعيم الوحدة لمصالحها الشخصية .. ولليمن كثقافةٍ أولى وأخيرة تتناقل أمجادها الأجيال وفق معايير المساواة والعدالة والتنمية العامة بمختلف المجالات .
على المثقف اليمني أن يدرك حجم المؤامرات الداخلية والخارجية لإجهاض الوحدة .. ويعمل على توعية المجتمع بالانتصار للوحدة لا هزيمتها بأبنائها .
إذن لا تراجع عن الوحدة .. بل يجلس الجميع على طاولة الحوار ويعود الحق لأهله من المتضررين من أحبتنا في جنوب اليمن وشماله رغماً عن أي متعجرفٍ أساء استخدام سلطته للإضرار بأنبل حدثٍ عرفته الأمة اليمنية في عصرنا الذي تتصارع فيه قوى الخير مع قوى الشرّ في حربٍ ضروس تستهدف قيمة الوطن ووحدته العظمى من خلال عدوانٍ شاملٍ استباح الوطن في شماله وجنوبه .