عبدالرحمن والزمن الجميل

فؤاد عبدالقادر

نحمد الله على أننا لا نزال نحتفظ بعقولنا، ولا نزال ممسكين بتوازننا،  ونحتفظ بذاكرتنا عشرة على عشرة، رغم كل البلاوي والإحباطات التي مرت بنا، ولا تزال ترافقنا في حياتنا اليومية.
لم تبق معنا إلاَّ الذاكرة، ولو تاهت أو غيبت يا داهية دقي حسب التعبير المصري.
لذا العبد لله من القراء والمعجبين والمتابعين لعمود “ن.. والقلم” العمود الذي يستريح فيه عبدالرحمن بجاش. يمد رجليه ولا يبالي مثل عمنا أبي حنيفة النعمان، ينكش فقط في ذاكرته فتسيل ذكريات خزنها منذ زمن طويل في ذاكرته القوية “إمسكوا الخشب” “العين تكسر الحجر”.
أحداث ومواقف عاشها ومرت به.. الناس.. الأماكن.. الزمن.
شريط سينمائي، وكأن عبدالرحمن بجاش مخرج الفلم، لا صغيرة ولا كبيرة، يعني لا شاردة ولا واردة إلا وتلتقطها ذاكرته، عيني عليك باردة يا أبا فؤاد، سبحان الله قالها لي العزيزان أحمد الحدا، وأيضاً علي صالح عطية من سكان تعز السواني جوار القاهرة وصبر، الذين يتابعون ما يجود به قلم بجاش كل صباح على صفحات “الثورة”.. قالوا: إن ذاكرة عبدالرحمن بجاش تعيدهم إلى الستينيات، إلى الزمن الجميل، زمن الأحلام الكبيرة والرائعة، زمن الثورة والسلال، وعبدالناصر، تذكرنا بأصدقاء المدرسة والحارة والنادي ومواقف الرجال.. الرجال.
أشياء جميلة ولطيفة يتطرق لها قلم بجاش الرائع.
يا إخوة دعوا بجاش يكتب كما يريد، لا تقطعوا حبل ذكرياته وأفكاره اللذيذة.
الكثير من القراء يرتاحون ويمخمخوان لما يكتبه الأستاذ على الأقل يبعدهم من جو الغم والهم، والبلاوي التي يعيشون بها، ويدخلهم جواً آخر غير جو الكآبة والبرامكة.. جو كله مرح وفرح وحبور يعيد لهم زمن الأحلام والآمال، وإشراقات الشمس، اكتب يا أبا فؤاد حسب قناعتك، ولا تحسب حساب أحد..
كم دقت على الرأس يا طبول..
ذكرتني من خلال عمودك المنشور في “الثورة”، وحمل عنوان: “حارة العم فؤاد”، وكانت لغته رائعة وجميلة ذكرتني بأيام قضيتها فيما وراء البحر، حيث ركبت الصنبوق أو السفينة، وذهبت إلى مدينة عصب الاريترية، وعشت مع أبناء عمومتنا العفر أو الدناكل حسب التسمية اليمنية.
ثلاثون يوماً عشتها في مدينة عصب أبعدت كل الذحل، كل ما علق بي، وعدت سالماً عن طريق البحر إلى أرض الوطن، عشت حينها مع البحارة والناخوذة –القبطان أو ربان السفينة.
يا أخي يا صديقي عبدالرحمن لقد أشرت إلى جرح لايزال مفتوحاً، إشارة كانت خفيفة إلى حارتي –حارة المستشفى الجمهوري، وذكرتني بأيام جميلة مرت عليَّ، ثم قلت: إن حارتي لم تعد الحارة التي عرفت.. وهي حقاً وصدقاً كما قلت، وهي جزء من هذا الوطن، الأصدقاء لم يعودوا في أماكنهم، ضاقت بهم السبل، والله لا رحم من كان السبب؟!.
تعز تلك المدينة الحالمة، تاهت أو توهت، نست تاريخها الإنساني والثقافي والثوري والاجتماعي، بلد الفنانين والشعراء، مدينة أيوب طارش عبسي، وعبدالله عبدالوهاب نعمان، وعبدالجبار نعمان، وحكيم العاقل، وفؤاد الفتيح، مدينة المثقفين، وحاملي لواء التغيير.
أنا يا عبدالرحمن بجاش بدموع حارة أبكي تعز.. وأعلم أن من بعد صفقتها ستنهض.. أشتاق لحوض الأشراف والجمهوري، وصالة والجحملية والمسبح، بي شوق لأصدقاء الشباب والطفولة، ترى أين ألقت بهم الأحداث..
أدعوا الله معي أن يزيح الغمة عنها، وعن كل اليمن، إنه سميع الدعاء.. يا رب.

قد يعجبك ايضا