لحظة يا زمن.. ألم
محمد المساح
استغرب الأمر في البداية قليلاً، لكن الوجع اشتد زيادة، خمن الأمر مع نفسه عارض ويزول.
أطفحه الألم، تلوى الجسد وانحنى، اضطجع على الظهر وأصابعه تقبض بقوة على جدار البطن، عض على شفتيه السفلى حتى أدماه، لو صرخ ستكون صرخته مدوية حبس الصرخة في وسط الحلق، فرد جسمه وأطرافه حتى نهاياتها، وعاد ينكفئ ويلتم في تشنج وكأنها تشنج الذبيحة في نهايتها الأخيرة.
اشتبك الألم في منطقة الإحساس شبكة عنكبوت ربطت خيوطها في الأعصاب والحواس وكامل الجسد .. وتاه عقله في غدرة ضبابية كثيفة، غشت تماماً الطريق إلى التمييز حتى يتبين من أين يأتي الوجع أساساً، من أي مكان في الجسد .. كل المحاولات ذهبت سدى وإحساسه يتخبط في دائرة من اللهب، هل الوجع في البطن، في القلب في الصدر في العضل في الأحشاء الداخلية ظل الجسد يتلوى على نفسه ينفك ويلتئم يتشنج، يقوم ينحني، يرقد ينكسر نصفياً، والأيدي أحياناً في منتصف البطن وأحياناً تصعد، لتشد الشعر.
الصرخة كالنفس تريد الخروج من الحلق، ضيق في الصد وكأن شيئاً ثقيلاً يجثم عليه، لكأنه يطلق آخر نفس وينتهي من أسر الوجع القاتل بكل ما يحمله من مقاومة، قاوم واستمات الإحساس في عراك رهيب يمد الجسد بزاد واهن يقوي اصراراً سرعان ما ينفد.
غام البصر حوله، غباشش التماغات تبرق، وهماً أو حقيقة لم يعد يعرف شيئاً .. أخذ الوجع وقسوته كل الإحساس والتفكير.
يغيب عن الوعي، تأخذه الدوخة في مدارات هائمة لا يدري، في حالة وعي، نصف واعي لا يدري، وتركض الأصابع تتحسس الجسم المنهك كقطيع اغنام ضائعة شتتها فجيعة غريبة والعروق تنبض بدم الوجع الساري في الجسد، تدور دورتها الإعتيادية بإعياء في دوامة من الانكفاء والتشنج غاص في بحر الوجع.