فريق معهد برلين للدراسات الاستراتيجية
يٌشار إلى سياسة ألمانيا الخارجية بالبنان احتجاجاً عندما يتعلق الأمر بإيران وروسيا أو الصين. ولكن تغمض العينان عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية وهذا نفاق..
الكيل بمكيالين في تقييم السياسات وحقوق الإنسان:
مبدأ الصين: عدم التدخل في سياسة الدول الأخرى طالما ليس هناك تأثير على المصالح الخاصة. مبدأ الولايات المتحدة الأمريكية: ممارسة الضغط على بعض الدول بحجة احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والاتفاق مع الطغاة في دول أخرى. تتحرك سياسة ألمانيا الخارجية على خطى الولايات المتحدة الأمريكية.
ومثال على ذلك التعامل مع المملكة السعودية ، ففي حين فُرضت العقوبات مراراً على بعض الدول وعُزلت وتناولت وسائل الإعلام الغربية بشكل دائم تقارير حول انتهاكات حقوق الانسان هناك، غاب هذا كله بخصوص المملكة السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات المتحدة. فهل توجد هناك ديمقراطية؟ كلا بالطبع.
تصدمنا المملكة السعودية بصورة متكررة بعمليات الإعدام البشعة وباضطهاد المدنيين والناشطين المنتقدين للحكومة وبتطبيق قوانين القرون الوسطى الصارمة وباضطهاد الأقليات الدينية وبعمليات التزود بالأسلحة بمليارات الدولارات.
لم توقع المملكة السعودية على إعلان الأمم المتحدة الذي صدر في العام 1948م حول حقوق الإنسان. وكتبرير لذلك، قالت: أنه لا يتفق مع الشريعة الإسلامية. وهذا يبن إلى أي مدى لا يوجد قاسم مشترك بين هذا البلد ومعظم بلدان العالم. وفيما يتعلق بحقوق الانسان، تأتي المملكة السعودية عند التصنيف من بين الدول الأكثر استبدادية على وجه الأرض.
السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم:
في حين اعتمدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في ما يتعلق بمسألة التسلح على انتاجها الذاتي للأسلحة وتقنية الأسلحة، عملت قوى أخرى عسكرية على استيراد الأسلحة من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وأكبر دول مستوردة للأسلحة في الوقت الحالي هما الهند والمملكة السعودية. وفي العام 2014م، تجاوزت المملكة السعودية الهند.
وكما ذكرت، ضمن جملة أمور، صحيفة الغارديان البريطانية، كانت المملكة السعودية أكبر مستورد للأسلحة في عام 2014م على مستوى العالم. واستوردت هذه الدولة الخليجية جنبا إلى جنب مع دولة الإمارات المتحدة كمية كبيرة من الأسلحة توازي ما تستورده القارة الأوروبية بأكملها! وبمبلغ سنوي يزيد على 8 مليارات دولار أمريكي.
ضرورة التدقيق في أبعاد هذا الاستيراد:
يعيش في دول الاتحاد الأوروبي حوالي 500 مليون شخص. وفي أوربا بأكملها حوالي أكثر من 700 مليون شخص وفي الهند أكثر من1.2 مليار شخص. أما السعودية على العكس من ذلك، يعيش أقل من 30 مليون شخصا. فلماذا تتسلح هذه المملكة الصحراوية بهذا القدر من الأسلحة؟ تبين عمليات التدخل العسكري للسعودية في كل من سوريا واليمن والبحرين أنها تطمح منذ وقت طويل لأن تكون قوة مهيمنة ومحتلة في الشرق الأوسط.
من الكاسب من صفقات السلاح؟ الأمريكيون والأوروبيون هم الرابحون بالدرجة الأولى. وجمهورية ألمانيا الاتحادية على رأسهم جميعاً. ونقول بسخرية أن المانيا تعقد صفقات مثالية: تشتري النفط وتبيع الأسلحة. إنها بذلك تعزز اقتصادها بصورة مضاعفة. ولكن بالنظر إلى الدور السياسي للمملكة السعودية تعتبر هذه الصفقة صفقة قذرة جداً وهي أقذر من مياه البحر بعد حادث حاوية.
العائلة المالكة ترى أنها مهددة:
ترى العائلة المالكة السعودية أن بقاءها مهدد على الدوام. فلديها مخاوف من تنظيم “داعش” و “القاعدة” وفرعهما، بالرغم من أنها هي من بعث الروح في هاذين التنظيمين ذات يوم ولكنهما أصبحا بالنسبة لها بمثابة المارد الذي خرج من القمقم.
آل سعود لديهم مشكلة الشرعية التاريخية:
إن الخوف يتعمق أكثر. ويكمن ذلك في أن العائلة السعودية المالكة لديها مشكلة شرعية سواء في بلدها أو العالم الإسلامي. لأن حكم أسرة آل سعود كان مقتصر في البداية فقط على وسط الجزيرة العربية. وكان الشيعة المستقلون يسكنون سواحل الخليج . وكان الساحل الغربي للبحر الأحمر مع جبال الحجاز والأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة عبارة عن مملكة السلالة الهاشمية القديمة، والتي ينحدر منها اليوم ملك الأردن.
في العشرينيات، استولى آل سعود على المملكة الغربية من السلالة القديمة من الهاشميين بالقوة، تلك السلالة التي تعود إلى عائلة النبي محمد وطردوها.
ومواكب لذلك غزا آل سعود سواحل الخليج الفارسي. وفي الثلاثينيات، حدثت الحرب الأولى مع اليمن. فالمملكة السعودية التي اُنشئت حديثا آنذاك، أعلنت عن تأسيسها رسمياً في العام 1932م ودمرت كل الممالك القديمة وطردت السلالات القديمة من الحكام وانتزعت الحكم من العديد من زعماء القبائل.
والنتيجة: إن المملكة العربية السعودية كانت بحاجة إلى شرعية لتبرر بها جمعها مناطق واسعة من شبه الجزيرة العربية.
وكان تبريرها أنها تمثل التفسير الوهابي السلفي المتطرف للإسلام السني. وعلى ضوء ذلك وجد أهل السنة القدامى في الحجاز على ساحل البحر الأحمر وتحول الشيعة على الخليج إلى أقلية. وسادت التوترات في البلد لهذا السبب حتى اليوم.
وفي ظل هوسهم الديني لتمثيل الإسلام الصحيح، وبالتحالف مع رجال الدين من الطائفة السلفية، أخذت العائلة المالكة تؤدي رسالتها في كل أنحاء العالم. فهي تريد الحفاظ على مبرر حكمها داخل البلد وخارجها باعتبارها وصية على الأماكن المقدسة.
وباسم هذه الرسالة، تنفق المملكة السعودية كثير من المال لنشر السلفية. ليس هناك بلد إسلامي في العالم لديه هذا التأثير الكبير على الدول الإسلامية الأخرى مثل المملكة السعودية. ففي كل مكان تجد المساجد ومدارس تعليم القرآن والجماعات الإسلامية والتجمعات الإسلامية السياسية بالإضافة إلى تمويل القنوات التلفزيونية الإسلامية. والمليارات العائدة من النفط، التي يعرضها الغرب جراء جوعها للحصول على الطاقة من المملكة الصحراوية تتدفق مباشرة لعرض العضلات، والتزود بالأسلحة والحماسة التبشيرية.
نظام متوحش مثل أنظمة القرون الوسطى:
تشكو منظمة العفو الدولية باستمرار من الأوضاع التي لا تطاق في المملكة السعودية. إنها تنتقد الضرب، والجلد والعقوبات الجماعية وعقوبات الإعدام وقمع حرية الصحافة والتعبير عن الرأي وقمع حرية الأديان واضطهاد الأقليات من الطوائف الإسلامية الأخرى وكذا حظر كافة أنواع الممارسات العامة للديانات غير الإسلامية والاحتجاز دون تهمة وبدون اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة – وهناك ما هو أكثر من ذلك بكثير.
ولا تقتصر أحكام الإعدام على القتل والجرائم الخطيرة. وهم يقولون: أن حكم الإعدام مفروض ضد تدنيس القرآن والأنشطة السياسية ومعارضة الملك. وبالمثل، يطبق حكم الإعدام. تلك العقوبات لا تختلف كثيرا عن تلك الموجودة في منهج ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا وشمال العراق.
تم التنديد مرارا وتكراراً باستخدام المملكة السعودية التعذيب. فغالبا ما يتم سجن المعارضين السياسيين وتعذيبهم دون محاكمة. وهناك هيئة تسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطوف البلد لمراقبة الآداب ومعاقبة ذوي السلوك المنحرف سياسيا ودينيا على الفور.
التزام نفس المعايير للتقييم:
لا يتعامل السياسيون ووسائل الإعلام في ألمانيا بمصداقية حين يطبقون معايير مختلفة عند تقييم البلدان اعتمادا على السلطة. ربما يكون هناك خلاف حول ضرورة تطبيق العقوبة ضد الفرقة الموسيقية النسائية الروسية “بوسي ريوت” بسبب ظهورها تغني في الكنيسة من عدمها. وأيضا في كاتدرائية كولونيا، سيتم استدعاء الشرطة الألمانية لو جرت هناك فحشاء لكن يتساءل المرء هناك ما الذي يمكن أن يحدث لو قامت النساء بعرض مماثل في مسجد في مكة أو المدينة؟
تضيق كل من الصين وإيران وروسيا الخناق على المعارضين. وحتى في الولايات المتحدة يمكن أن تحدث مفاجأة كبيرة حتى لو وجد شخص اشتبه بأنه إرهابي. وعن موضوع المساواة بين الرجل والمرأة لا حاجة للحديث هنا. لأنه لا يوجد مكان في العالم تعاني فيه المرأة من القمع مثل السعودية. حتى في أفغانستان الحال ليس أسوأ.
وبالنسبة لقضية مبيعات الأسلحة، هناك أهمية كبيرة طبقا لحقيقة أن المملكة السعودية تستخدم تلك الأسلحة على نطاق واسع ضد شعب اليمن. وحتى في البحرين، تدخلت القوات السعودية للدفاع عن العائلة المالكة السنية وهاجمت الأغلبية الشيعية بوحشية وسحقتهم في الربيع العربي.
والآن يحيط بالمملكة السعودية على الحدود سياج حديث متطور يحتوي على أنظمة أمنية متطورة تذكرنا بالسياج التي كانت في منطقة حدود جمهورية ألمانيا الديمقراطية. حوصرت القبائل البدوية وبوعدت أسفارها الموسمية. وشُلت حركة المرور عبر الحدود. وتعرضت القبائل الموجودة على الحدود للترهيب والضغوط وعوملت مرات بالقوة.
أتت تكنولوجيا منشآت الحدود تلك من الشركات الأوروبية، ومقر بعض منها ألمانيا. وتطول قائمة التكنولوجيا الأمنية والأسلحة التي تم تسليمها في السنوات الأخيرة من ألمانيا إلى السعودية.
وأكبر دليل على أن هذه الصادرات ماتزال مستمرة هو تسليم طائرات هليكوبتر مؤخرا إلى المملكة السعودية مرة أخرى.
*صحيفة فرايه فيلت الألمانية
ترجمة: نشوى الرازحي