التلفاز أبرز أسبابها والخبراء يحذرون من تعريض الأطفال لها:

مشاهد العنف.. مصدر مؤجج لسلوك الطلاب العدواني

> معلمون: مشاهدة الأطفال للقتل والحرب على التلفزيون جعلهم أكثر عدائية على زملائهم في المدرسة

> علم نفس: مشاهد العُنْف في التلفاز تغذي التوتر النفسي والاضطراب الوجداني للأطفال

> دراسات: العنف الذي يشاهده الأطفال يتحول إلى سلوك عدواني واقعي لديهم
تحقيق/ وائل الشيباني
مشاهد العنف في التلفاز عكرت صفو المدارس وأدخلت الفرقة والبغضاء بين الطلاب في الصفوف الابتدائية مما تسبب في ارتفاع معدلات العنف بين الأطفال وتنمر البعض على الآخر محاولا إثبات قوته وتقليده لما يراه عبر  وسائل الإعلام من مشاهد للقتل والحرب والذبح والسحل وغيرها  التي من المفترض أن لا يسمح أرباب الأسر لأطفالهم بمشاهدتها…. تأثير مشاهد العنف والحرب على سلوكيات الأطفال في المدارس ومع أصدقائهم في الحي وغيرها من التفاصيل حول الموضوع تجدونها مفصلة في سياق التحقيق التالي..
تشاجرت أنا وزميلي في الصف بعد أن قال لي إن أقاربي  في تعز يقتلون الناس ويسحبونهم بالدراجات النارية فقلت لها إن من قام بذلك ليس من أقاربي  ولكنه أصر على ذلك لأني من تعز, هذا ما قاله محمد فوزي طالب في الصف الخامس.. وأضاف: درست أنا وصديقي منذ الصف الثاني وكنا أصدقاء ولكنه شاهد أناساً يسحبون الموتى بعد قتلهم  في تعز كما قال لي وظن أن من فعل ذلك  هم أسرتي هناك فتشاجرنا من أجل ذلك فقد رفض التصديق بأن عائلتي  ليس لها ذنب بما حدث.
هذه الشجارات لأمور لا يجب على الأطفال منذ البداية رؤيتها كثرت في الآونة الأخيرة هذا ما أكدته المعلمة، غنية محمد غالب وأوضحت قائلة : بات الطلاب يتشاجرون في ما بينهم ويتبادلون التهم بأن فلاناً مجرم وذلك يرد أنتم المجرمون القتلة وهكذا وعند النظر لسبب الشجار يتضح بأن السياسة والعدوان الغاشم على البلد هو السبب فكل طفل يأتي من بيته وقد توجه صوب جهة معينة وزميله صوب جهة أخرى وهكذا بات الأطفال مؤدلجين وفق ما شاهدوه في التلفاز واستمعوا إليه في الإذاعات.
ظواهر جديدة
الأستاذ عبد الله الكُمَيْم مدير مدرسة ابن خلدون لم يخف استياءه الشديد من استمرار وتزايد  مثل هذه الظاهرة وأفاد قائلاً: على أولياء الأمور في المنزل أن يهتموا لما يشاهده أبناؤهم في التلفزيون ويسمعونه في الإذاعات وأن لا يقحموهم في الصراعات السياسية فهذا يجعل الأطفال أكثر عنفاً في المدارس تجاه زملائهم ونلمس كل ذلك في الواقع المعاش, فالطلاب بالمدارس باتوا يميلون أكثر للعنف وتشكيل العصابات وغيرها من الأعمال التي ارتفع منسوبها في هذا العام بالتحديد وهناك أيضاً طلاب لاذوا بالفرار من منازلهم للالتحاق بجبهات القتال وتركوا صفوفهم الدراسية لأجل القتال بعد أن تأثروا فيه بعد مشاهدتهم التلفزيون وغيره من وسائل الإعلام التي أقحمت الطفل في أمور لا يجب أن يتدخل بها.. وهذا ما أكد عليه أيضا المعلم / صالح الفقيه وكيل مدرسة ابن خلدون وأضاف قائلاً: لا يخفى على أحد بأن الأطفال تأثروا كثيراً بما شاهدوه في التلفزيون وباتت تصرفاتهم عدوانية أكثر من قبل لذا لابد لأرباب أسرهم أن يهتموا بما يشاهده أطفالهم لأن مثل تلك المشاهد تؤثر عليهم بالسلب وتؤذي زملاءهم بعد قيام المتأثرين بهذه المشاهد العنيفة من الأطفال بالتنمر على أصدقائهم في الصف .
العنف غير مسبوق
الأسرة حين تترك ابنها فريسة لهذا الجهاز فإنها تضعه أمام تأثيره القوي بكل ما يحتوي عليه من مشاهد عنيفة, هكذا استهلت  الأخصائية الاجتماعية/ الهام الكُمَيْم حديثها وأضافت  :إن الدراسات الجادة التي أجريت على مئات الأطفال لأكثر من 30 سنة تسير في هذا الإطار، فمن خلال ملاحظة عدد الساعات التي يقضيها المراهقون في مشاهدة الأخبار والمشاهد  المليئة بالعنف، وعدد الأعمال العدوانية التي يرتكبونها فيما بعد، يمكننا التأكيد بأن العنف المرئي عبر التلفزيون يزيد الاستجابات العدوانية للمشاهدين أياً كان الوسط الاجتماعي المنحدرين منه أو المستوى التعليمي الذي وصلوا إليه أو سلوك آبائهم معهم , ومع التأكيد على مخاطر مشاهد العنف وما تسببه من تجريد للمشاعر وإيجاد مناخ مليء بالمخاوف فإن الأطفال ينقلون عادة إثارتهم وعنفهم إلى مدارسهم في اليوم التالي، أو يشاهدون كوابيس ليلية أثناء نومهم. ويمكن أن تنتهي الأمور بمأساة فعلية عندما يرغب هؤلاء في تنفيذ أو تقليد ما شاهدوه من جرائم تنفذ على شاشة التلفاز.
لم تختلف معها الأخصائية التربوية ذكرى محمد أحمد التي أكدت أيضا على التأثير الكبير على مشاهد العنف التي تبث في التلفاز خاصة في هذه الأيام لها تأثير كبير على سلوكيات الطفل في المدرسة والحي, ففي المدارس نجد الأطفال في الفترات الأخيرة أكثر ميلا للعنف من السنوات السابقة وحتى رسوماتهم تتجسد فيها مشاهد العنف من خلال رسم صواريخ وكلاشنكوف ودبابات وما إلى ذلك من معدات للقتل وباتوا يشكلون عصابات تهجم كل منها على الأخرى ويتشاجرون في الفصول على الأمور السياسية وكأنهم كبار..
رقابة من الأسرة
أظهرت الدراسات أن مشاهدة التلفزيون من دون رقابة تسبب تدّني حساسيتهم ضد مشاهد العنف، وقد تتحول الفظائع والعنف الحقيقي الذي يحدث في العالم ويشاهدونه في الأخبار إلى أشياء عادية  فيعتاد عليها ويتقبلها بدلا من رفضها وإدانتها, كما أكدت الدراسات أن الإفراط في مشاهدة العنف التلفزيوني يؤدي إلى أن يصبح الأطفال أكثر عدوانية مع رفاقهم في المدرسة ، ومع معلميهم، ومع الأهل، ويتضح هذا بشكل كبير عندما يدخلون سن المراهقة.
وفي دراسة لمعرفة تأثير مشاهد العنف على الأطفال، أُخذت مجموعتان من الأطفال، وتم عرض فيديو للمجموعة الأولى يظهر طفلا يضرب دمية ويتعامل معها بخشونة، وعرض فيديو للمجموعة الثانية يظهر طفلة دعت الدمية إلى حفلة شاي، وبعد ذلك وضعوا مجموعة الأطفال الأولى مع نفس اللعبة التي ظهرت في الفيديو، فبدأ الأطفال بالتعامل معها بعنف، أما المجموعة الثانية فلعبت مع اللعبة بهدوء وهذا يظهر مدى تأثير التلفزيون على الأطفال سلباً وإيجابا,  لذا يجب التخفيف والعناية  من مشاهدة الأطفال للتلفزيون، والاستعاضة عن ذلك بممارسة أنشطة أخرى مثل القراءة واللعب وتوجيههم إلى ممارسة الهوايات التي يميلون إليها ، ومن الضروري أن يراقب الأهل ما يشاهده أطفالهم على التلفزيون، وإذا كان ما يشاهدونه غير مناسب فيجب عدم السماح باستمرار مشاهدتهم له ومراقبة ما يشاهدونه، من خلال الجلوس بالقرب منهم للتوجيه والتوضيح, فالتلفزيون يجب أن يأخذ دوره الإيجابي في التربية والتعليم ونشر المعرفة, كذلك يجب أن تعطيهم الوقت الكافي للرد على أسئلتهم التي قد تخطر ببالهم نتيجة مشاهدة التلفزيون فعندما يشاهد طفلك مشاهد العنف، مما يسبب له الانفعال، فعليك مساعدته على إدراك أن ما يحصل على الشاشة  غير صائب وأن مثل هذه الأعمال خاطئة ومضرة.
التلفاز والعنف
أما ما يراه علم النفس حول تأثير مشاهد العنف والقتل في التلفزيون فإن   الدكتور/ نادر فرجاني يؤكد بأن  تعرض الأطفال لاستشراء صنوف السلوك الاجتماعي السلبية، وعلى رأسها العنف، في برامج التلفاز، هو أخطر مضار المشاهدة الزائدة على الحد المفيد. فالمعروف أن التعرض الزائد للعنف يضرُّ بالتطور العاطفي للأطفال، ولا يقتصر هذا الأثر السيئ لمشاهدة العنف على البرامج، وإنما يمتد إلى المشاهد العنيفة الخاصة بالحوادث والحروب والكوارث الطبيعية التي تتخلل نشرات الأخبار.
ويشكل التعرض الزائد للعنف كذلك استجابة المخ للبيئة الطبيعية والإنسانية المحيطة به في اتجاهات التعود على السلوك العنيف وتوقعه، مما يغذي التوتر النفسي والاضطراب الوجداني للأطفال، ولا يقف الأمر عند هذه الحدود، بل يتعداها إلى التعود على العنف، بل وتسهيل اقترافه.
ويزيد من قوة هذه الاتجاهات ميل الأطفال الصغار للعنف مع من حولهم سواء في المنزل أو في المدرسة وغيرها بسبب تصديق ما يرونه على الشاشة الصغيرة ومحاولة تطبيقه  دون التفرقة بين الحقيقة والتلفزيون.. وفي ذات السياق حذر عضو اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية، استشاري الطب النفسي الدكتور محمد بن عبدالله الصغيّر، من مشاهدة مناظر العنف والدمار في نشرات الأخبار، خصوصاً برفقة الأطفال.
وقال “الصغير”: “النية الحسنة للأهل في أن يرى الصغار معاناة الناس من حولهم ليتعظوا ويتعاطفوا معهم، قد تنقلب إلى معاناة نفسية يطول أمدها”.وأضاف استشاري الطب النفسي “مع كثرة الصراعات في العالم اليوم وتوفر وسائل النقل الإعلامي المرئي المباشر لأخبار ومشاهد الحروب المفزعة والقتل والتفجير والهدم والتدمير؛ يحرص الكثيرون على متابعتها في بيوتهم وغالباً ما يكونون في مكان واحد مع أطفالهم فتقع أعين الأطفال على تلك المشاهد الفظيعة”.
وأردف: “حينما يرى الشخص، لا سيما الصغار والنساء، مشهداً مرعباً فيه حرب وقتل وأسلحة وتدمير وهدم منازل على رؤوس أهلها ودماء وأشلاء وصراخ وآلام فإن تلك المناظر تصعق أعماق النفس بدون إرادة فتستثير فيها عدة مشاعر عميقة كالخوف والفزع والرعب الشديد والحزن والغضب..
تحذير
قد تتخطى الظاهرة كل التوقعات الممكنة وقد تشكل خطراً اكبر على المجتمع في قادم الأيام, فمثل تلك المشاهد التي يشاهدها الصغار على مرأى ومسمع من أرباب أسرهم قد تتحول إلى سلوكيات يداوم الطفل على العمل بها حتى يكبر مما يزيد من حجم المشكلة التي من شأنها أن تهدم بناء جيل متآخ يحب بعضه بعضاً ويسعى كل منهم أن يضع يده بيد أخيه لبناء اليمن الهادئ والمستقر الذي نسعى إليه جميعاً.

قد يعجبك ايضا