فؤاد حيث يُخزٍن !!!
ن …….والقلم
عبد الرحمن بجاش
يمر أمامي مسرع الخطو , لا يلتفت إلى أحد , وأحس أن استعداده للحديث مع أي كان يكون في مستواه الأدنى جدا , أعرف أن باله مشغول !! , بماذا ؟ اعلم بماذا !!! . تأتي لحظة تكون فيها بحاجة لأن تهجر الجميع لتخلو إلى نفسك , تحدثها , تنادمها , تستشيرها , قل تهرب إليها , تأتي لحظة قصوى تكون بلا رغبة حتى للجلوس مع نفسك , فتطرد ذاتك منك , وتذهب للب حث عمن تجلس إليه , أحيانا تأنس حتى للعدم تجالسه وأنت لا تدري له تعريفا !!! . فؤاد بين الثانية بعد الظهر والثالثة مساء يكون خارج مجرته اليومية , اعلم إلى أين يذهب بنظره ؟؟ إلى حيث ترتاح نفسه للجلوس , تراه وقد تأبط كيس القطل , وباكتي السيجارة الكمران , وقارورة مهوله لكبرها (دلسي) ولا مانع من علبة (زنجبيل) يتخلى عن أبهته , يلبس ملابس رثه, أسأله في هذه المفردة : لماذا ملابس رثه ؟ يضحك : لكي أكون في مستوى الشارع , واليها يحث الخطى ؟؟ , (الصندقه) لاغيرها , تلك الكائنة في سوق القات , (المقوِت) يتركها بعد أن ينهي بيع قاته , يسلمها راضيا بدون سؤال إلى فؤاد . يضع حمولته , ويصعد , ليتربع قيادة الكون !! , سألته مرة : لماذا لا تنظف مخلفات القات والسجائر , وبقايا أكل ؟ يقول لك وبهدوء وكمن يخاف على البيض من أن تتكسر , يقول لك : لا لا ..لكي تحس بالحياة , اترك كل شيء كما هو , أذهب بابتسامتي إلى صاحبي عبدالعزيز إلى غرفه 9 في الطابق العاشر من إحدى عمارتي (دوم اسبرا نتوف) في موسكو , كان عبد العزيز إذا ذهب إلى الكلية ترك كل شيء على جنونه كما كان يردد , وعبدالعزيز فنان تشكيلي مُجيد أصر على الدراسة في معهد (سيريكوف) للفنون التشكيلية , وعندما قالوا له : يلزمك فوق السنة التحضيرية ثلاث أخرى تهيئة لدخول المعهد الأكثر شهرة , لم يتردد في القبول , ويدرس فيه سبع سنوات أخرى حتى تخرج , ليعود حاملا دبلومه الأحمر , وإلى القرية ليتمشيخ إلى اليوم , ويعلق الشهادة في رأس المكان لمن يريد أن يراها , الفن هنا لا يؤكل عيش مثل المشيخة !!! , عبد العزيز يترك شراباته وملابسه , فيأتي (اخفت) ذلك الطالب المنغولي الجميل المحب لليمنيين فيرتب كل شيء , حتى إذا عاد عبدالعزيز ورأى كل شيء مرتب قالها بلهجة البلاد : (شقصف الله عمرك يا أخ اخفت من قال لك تصلحهن ؟) يظن اخفت أن عبد العزيز يشكره فيبتسم , كنت أقول يا صاحبي لم تترك كل شيء هكذا منعوث كسفل البقر ؟ يضحك : أحس بالحياة يا بن بجاش !! , فؤاد لا يرتب أحوال الصندقة , يقول : لو رتبت سأنسى ما جئت من أجله , فمنها (( الصندقة) أتابع أحوال القاع , فحركة السيارات , والمارة , والريح تبز القراطيس إلى السماء , وصوت الطائرة فوق الرؤوس , وكلاب تداعب بعضها , وأطفال يحملون السلاح عند النقطة في وسط الشارع , وباعة البترول المهرب , الشيء الوحيد – يقول – , الذي يستوقفني ولا أجد له تفسيرا سرعة المجانين حين يمشون !! , يستمر فؤاد مخزنا في الصندقة حتى إذا دنى الليل , لفلف نفسه , وعاد إلى غرفته مرتاحا , فقد قاد العالم بطريقته , ونسي نفسه ساعات , هاهو يستدعيها مع أول منحنى من دخان سيجارته , يجتر همومه , يستعد لليلة من الخوف والترقب وأسئلة بلا جواب . لله الأمر من قبل ومن بعد .