الانتخابات التشريعية السورية.. الدلائل والأبعاد

طه العامري

أن تجري الانتخابات التشريعية لعضوية مجلس الشعب العربي السوري ، فهذا الفعل له د?لته السياسية والعسكرية ، كما هو تعبير عن حقيقة الانتصار العربي السوري على أكثر المؤامرات والمخططات الاستعمارية تعقيدا والتي واجهت سورية الارص والإنسان والقدرات طيلة السنوات الخمس المنصرمة وهي المؤامرة التي أتخذت طابعا اجتماعيا وبدت للبعض وكأن ما يجري في سورية هو ( ثورة شعبية) حتى إن البعض راح يكيل التهم الجزافية ضد القيادة العربية في سورية وضد النظام والدولة والجيش, معتبرا كل هؤ?ء من تعمدوا ( قتل الشعب العربي السوري) وهي مصطلحات أجادت جماعة ( الأخوان المسلمين) في سورية وفي أكثر من قطر عربي في تسويقها ضد الأنظمة التي واجهتها ومنها النظام العربي في سورية والتي عملت جماعة ( الاخوان) على ( شيطنته) تماما كما تعمدت هذه شيطنة خصومها في كل أرجاء الوطن العربي ، مستغلة قدراتها التنظيمية ومهاراتها في الحشد والتنظيم إضافة إلى علاقات هذه الجماعة مع المحاور الاستعمارية وتقديم نفسها كحصان طروادة لهذه المحاور التي بدورها استغلت هذه الجماعة وجعلت منها رأس حربة لتدمير أنظمة وقدرات وقناعات وأدوار .
لم تتمكن هذه المحاور منها عبر سلسلة طويلة من المؤامرات والمخططات وعبر سياسة العصا والجزرة التي استخدمتها المحاور الاستعمارية ضد عددا من أنظمة المنطقة التي تصدت للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة لدرجة أن عجزت المحاور الاستعمارية في احتوى أو تدجين هذه الأنظمة وفي المقدمة منها النظام العربي السوري الأكثر صلابة في المواجهة والتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية فكان ( ربيع الاخوان ) هو الوسيلة التي أتخذت منها المحاور الاستعمارية جسرا للعبور نحو أهدافها الاستراتيجية في إعادة تشكيل خارطة المنطقة وهيكلة أنظمة شكلت بوجودها ودورها ومواقفها الكثير من القلق للمحاور الاستعمارية ولحلفائها في المنطقة وفي المقدمة الكيان الصهيوني ، ولم يكن هناك ثمة قوى داخلية عربية تقبل لتؤدي دور ( حصان طروادة) غير جماعة الاخوان التي هي أقرب في سيكلوجية الفكر السياسي للمحاور الاستعمارية منها إلى الواقع الذي تنتمي ، إذ وفيما ترغب هذه المحاور في طمس قيم الهوية والانتماء من الذاكرة الجمعية العربية ، فأن جماعة الاخوان بدورها ?تعترف بحقيقة الوجود الوطني و? تؤمن بحقيقة الهوية والوجود القوميين ، وبالتالي فأن حالة الحقد التي تراكمت في ذاكرة هذه الجماعة كانت كفيلة ?نخراطها الطوعي في تنفيذ المخططات الاستعمارية على قاعدة إن تحقق النجاح فهم الرابحين وأن واجهوا الفشل هم الرابحون أيضا ويكفيهم في حالة الفشل أنهم كسبوا من جديد ود المحاور الاستعمارية التي كانت قد انقلبت عليهم بعد أحداث سبتمبر 2001م..
بيد أن إجراء الانتخابات التشريعية في سورية فعل يحمل الكثير من الد??ت والرسائل السياسية وعلى مختلف المستويات ، وهو الفعل الذي يأتي في سياق التأكيد على انتصار سورية وشعبها وجيشها وقيادتها على روزنامة المؤامرات التي حاول أصحابها من خلالها وعلى مدى سنوات إسقاط سورية ، ليس فقط سورية النظام والمؤسسات والقدرات ، بل الهدف كان إسقاط الإرادة العربية والقومية والهوية الحضارية لسورية والدور التاريخي الذي تمثله سورية كحاضنة للفكر والموقف المناهضين للوجود الصهيوني ولكل المشاريع والمخططات الاستعمارية، خاصة بعد أن أيقنت المحاور الاستعمارية بحقيقة أن سورية هي آخر قلاع الفعل العربي ، وأخر التحصينات القومية التي بسقوطه تفتح كل الطرقات أمام الفعل الاستعماري وأمام المشروع الصهيوني المتعثر أمام صمود وإرادة وممانعة (دمشق) بعد سقوط شبه كلي لكل عواصم القرار العربي في مربع الهيمنة والتبعية الأمريكية / الصهيونية.. انتخابات مجلس الشعب العربي السوري الذي بقدر ما يأتي استجابة وتلبية ?ستحقاق دستوري من حيث التوقيت والفعل فأن هذه الانتخابات تحمل في طياتها رسائل سياسية تشير إلى نهاية المؤامرة وفشل أصحابها وهزيمة أدواتها ، كما هي تأكيد على انتصار الإرادة العربية السورية ، وتؤحي بفشل المخططات التي أجلها احتشد العالم تحت يافطة الدفاع عن حق الشعب العربي السوري في الحرية والديمقراطية ، وهي مزاعم كاذبة الغاية منها هو تجميل القبح الاستعماري السافر الذي أتخذ من مثل هذه الشعارات مجرد يافطات بغرض الوصول عبرها ومن خلالها إلى أهدافه القذرة في كسر الإرادة العربية والقضاء على كل فعل عربي إيجابي يتمسك بحق الشعب العربي في فلسطين وبحق الأمة في الدفاع والمقاومة في سبيل الانتصار لحقوقها الجمعية والجزئية ..
إن انتخابات مجلس الشعب السوري والتي انطلقت أجراءتها قبل أيام تجسد أيضا عن استمرار سورية في صياغة قرارها الوطني المستقل وعدم خضوعها كالعادة لأي ضغوطات خارجية ، إذا ما أدركنا أن هذه الانتخابات تأتي مع دخول سورية معترك الحوار السياسي الذي يجب أن يكون سورياً – سورياً بامتياز ، وهو ما لم تكن ترغب به محاور النفوذ التي تسعى وتحاول أن تحقق من خلال وعبر المفاوضات السياسية التي تشترط أن تتم برعاية دولية ، ما لم تحققه من خلال الحرب والمؤامرة طيلة سنوات..؟ وهذا الخيار أسقطته الإرادة العربية السورية التي فرضت خياراتها في إجراء هذا الاستحقاق الدستوري في موعده القانوني المعبر عن حضور وقوة الدولة ومؤسساتها السيادية بعيدا عن سفسطائية أصحاب المشاريع التآمرية المعترضين على فكرة تكريس الدولة السورية لدورها وواجباتها السيادية تجاه مواطنيها واستحقاقات دستورية وقانونية تعبر عن قوة وحضور الدولة السورية بعيدا عن ثقافة الانتقاص والتهميش التي يسوقها البعض في سبيل الوصول إلى أهدافهم من خلال فرض روزنامة من الشروط أولها وأخطرها ما يسمى بتشكيل ( الهيئة الانتقالية) التي يراد منها أن تصبح بديلاً عن الدستور والقانون ، بل وبديلاً عن النظام والدولة والسلطة في سورية ،ليتسنى ?حقا لهذه الهيئة المزعومة إسقاط الدولة والمؤسسات وهو ما لم يتحقق من خلال سنوات الحرب.،؟

قد يعجبك ايضا