” المذهبية ” في الخطاب السياسي العربي ..!!
طه العامري
في الخطاب السياسي العربي بصورة خاصة والدولي بصورة عامة , كثر الحديث عن الصراع ” السني _ الشيعي ” ويتعاطى الإعلام العربي والدولي مع هذا الأمر بكثير من الجدية رغبة في ترسيخ مفاهيم هذا الصراع وتمتين جذوره بهدف جعل هذا الصراع ” المذهبي ” أمراً واقعا مسلما به وبالتالي يجب التعاطي معه كحقيقة راسخة وهو فعل ليس له أساس ولا جذور ولا يمكن اعتبار هذا الصراع أمراً واقعا وعلينا التسليم به .. فما يجري في المنطقة ليس صراعا ” مذهبيا ” بل صراع سياسي وتنافس على زعامة المنطقة أو الإقليم أطرافه كل ” من إيران ” و ” والسعودية ” و ” تركيا ” فيما “واشنطن ” تحرض و ” الصهاينة ” يرقبون المشهد ويشجعون عليه , وإن كانت الرياض ترى في الأمر فعلاً اعتبارياً ترى طهران بالمقابل إلى مصالحها بعين لا تغفل , مقابل حلم تركي بريادة اقتصادية على المنطقة ما يجعلها بعيدة عن الحاجة لأوروبا التي لن تصبح عضوا في اتحادها وإن بعد 100 عام أخرى .. ومن أجل هذه الغاية سعت بعض أطراف الصراع إلى احتواء ” مصر ” ومصادرة دورها العربي مستغلة الوضع الاقتصادي الذي تمر به ” مصر ” التي فتحت بتخليها عن دورها في الإقليم حالة فراغ استراتيجي وهو الفراغ الذي أدى إلى محاولة بعض الأطراف ملأه بطريقة أو بأخرى , لكن هذا الفراغ بحد ذاته ” مفصل ” على محاور إقليمية بذاتها وليس بإمكان أي طرف إقليمي القيام به مهما بلغت مكانته وقدرته , حقيقة تاريخية وإستراتيجية يجب التوقف أمامها والتأمل في معطياتها بعيدا عن العواطف أو العصبية أيا كانت دوافعها وأسبابها وغايتها .. إذاً الصراع الجاري بين الأطراف المتنافسة على زعامة المنطقة أو الإقليم لم يكن يوما ” مذهبيا ” بل كان ولا يزل صراعا سياسيا بامتياز , غير أن البعض وبدافع من العجز والفشل وغياب الرؤى الإستراتيجية تعمد اللجوء إلى ” الدين ” والزج به في معترك الصراعات السياسية في محاولة من هذه الأطراف تغذية الرأي العام باتجاهات دينية واستغلال عواطف الناس ” دينيا ” وتوظيفها لتحقيق أهداف سياسية , وهذا ما يتمثل في أزمة الخلافات الإيرانية _ السعودية _ التركية , فالرياض التي فشلت في إدارة شؤونها الإستراتيجية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية , وفشلت في فرض هيمنتها على الإقليم , وهو فشل طبيعي وتاريخي فالرياض لم تكن يوما حاضنا للفعل العربي ولم تكن يوما فاعلة مباشرة في تداعيات الفعل العربي لا أمنيا ولا سياسيا ولا ثقافيا ولا إستراتيجيا , فالرياض وكما عرفناها وعرفنا دورها , وقفت في نطاق الفعل السلبي ولم تفكر يوما بالهم العربي إلا في نطاق محدود وهو شراء الذمم والولاءات وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وهو الغزو الذي كانت الرياض فيه الفاعل المباشر والمحرض الأكثر حضورا في أجندة واشنطن والدافعة لها باتجاه غزو العراق وإسقاط نظامه, لتبدأ على إثرها الرياض دبلوماسية ترسيخ ” المذهبية ” كعنوان لصراع سياسي وكان الهدف من هذا الفعل واضحا وهو اللعب بعواطف بسطاء العرب وتوجيههم نحو أهداف الرياض الأكثر من ” خبيثة ” ..؟!! في المقابل لم يكن أطراف الصراع من الجانب الآخر ” ملائكة ” ولكنهم لم يعملوا على ” مذهبية ” الصراع رغم أطماعهم ورغبتهم في التمدد وتحقيق نفوذ إستراتيجي في الإقليم وهو حق مشروع لكل دولة قادرة على الفعل شريطة أن تأخذ بطرق الفعل المشروعة المعروفة بدبلوماسية النفوذ أو الدبلوماسية ” الناعمة ” وهي دبلوماسية تقوم على تحقيق مناطق نفوذ وفق مشروع إستراتيجي تسعى إلى تحقيقه الدولة القادرة على تحقيق هذه الإستراتيجية وتملك من القدرة التأثيرية والحضارية ما يكفيها لتحقيق غايتها هذه , كما هو الحال مع ” إيران ” وبقية دول العالم التي تسعى لتحقيق مصالحها عبر الطرق الحضارية والتأثيرات الثقافية والسياسية , ولقد أدى الغزو الأمريكي للعراق وتخلي مصر عن دورها القومي إلى بروز ” الرياض ” كحاضنة للإقليم العربي وهو بروز لن يكتب له النجاح لأن النظام في الرياض لم يؤسس لتأدية مثل هذا الدور الإستراتيجي بل تأسس نظام “الرياض ” ليؤدي دورا مناقضا ومناهضا لهذا الدور الذي يزعم أو يرغب أن يلعبه في الإقليم , إذ يصعب على النظام ” السعودي ” أن يؤدي دور مصر أو يلعب دور سوريا وهو الذي تسبب في إخراج مصر عن مسارها الحضاري ودفع بالعراق إلى دائرة التناحر المجتمعي وسعى ولا يزال يسعى لضرب دور سوريا ناهيكم عن دوره في ليبيا وما يقوم به في اليمن , وكل هذه النطاقات تسقط عن ” الرياض ” شرعية الحاضنة العربية وبشهادة فلسطين القضية والحقوق والواقع والفعل .. نعم قد نختلف مع ” طهران ” الدولة والنظام , في كثير من المفاهيم التي يجب إصلاحها في مسار العلاقات العربية _ الإيرانية والتي يجب أن تحل تحت سقف الفعل القومي العربي وبصورة جماعية وليست جزئية , لكنا لا نختلف مع ” إيران الثورة ” التي أسقطت اعتى عروش الطغاة ” الشاه هنشاه ” أي ملك الملوك وهو الذي كان حكام وملوك العرب وخاصة في الخليج يدينون له بالولاء والطاعة وهو الحليف الإستراتيجي للكيان ” الصهيوني ” وشرطي أمريكا والغرب الاستعماري في المنطقة والخليج ..؟
في هذا السياق أقول من حق الرياض أن يكون لها مشروعها ولكن أي مشروع تملكه ” الرياض ” لتحظى بزعامة الإقليم غير مشروع المال الذي تجود به في الوقت الضائع وبناء على توجيهات في لعبة صراع لا تحتمله “الرياض ” التي لم تجد ما تعبر به عن قوتها سوى العدوان على اليمن وهو العدوان الذي يسقط عنها شرعية الفعل في الإقليم , وإذا ما أضفنا لهذا دور الرياض في التأمر وتدمير سوريا وضرب وتمزيق ليبيا وموقفها من المقاومة بصورة كلية سوى تعلق الأمر بحزب الله أو بالمقاومة الفلسطينية فإن كل هذه المواقف التي تقفها ” الرياض ” تؤكد أنها غير مؤهلة للقيام بأي دور إقليمي وإن حاولت , حتى وإن اتخذت من اليمن مسرحا لاستعراض عضلاتها أو جعلت من سوريا نطاقا لاختبار قوة حضورها ويكفي لتأكيد هذه الحقيقة إن لقاء ” جنيف ” الذي جرى بين وزيري خارجية أمريكا وروسيا جرى بعيدا عن أي حضور للرياض أو لمن ينافسها وفي اللقاء تقرر مصير المنطقة انطلاقا من قرار وقف العمليات العدائية في سوريا وفي هذا اللقاء ما يكفي لتأكيد الدور التهريجي “للرياض ” وحتى لتركيا التي إليها تتجه الأنظار اليوم ولكن من زاوية سلبية عنوانها العمليات الإرهابية التي تشهدها أهم مدنها العاصمة والتي تحمل أكثر من رسالة للسلطان العثماني الجديد الذي بدوره أخطأ في الحسابات الإستراتيجية وصار عليه أن يدفع ثمن أخطائه وهذا ما ستواجهه ” الرياض ” فيما ” طهران ” ستظل توظف أخطاء كل هؤلاء لتحقيق ما تسعى إليه بعيدا عن الضجيج ووفق دبلوماسية ناعمة لا تؤمن بالعواطف بل تؤمن بمصالحها وحسب ..