الصَّمت بوصفه مؤشِّر كَبت!
مكافح فيروسات
إبراهيم طلحة
في ثقافات العالم أجمع تقريباً،، يجري امتداح الصَّمت.. يعدُّونه سمة إيجابٍ ورياضة روحٍ ودليل حكمة.. في الأمثال العربية القديمة أُثني على الصَّمت والسكوت ثناءً كبيرًا وكثيراً؛ فقيل: إذا كان الكلام من فضةٍ، فالسُكوت من ذهب، وروى العرب عن كسرى قوله: لم أندم على السُكوت قط ولقد ندمتُ على الكلام مراراً؛؛ وهكذا تناول الشُعراء خصلة (الصَّمت) الحميدة لدى مجتمعاتهم بأبيات وقصائد عُدَّتْ دائماً من روائع ما قالته العرب(!!)..
يقول أبو نواس – مثلاً – الذي طالما حذَّر من شعره فقهاء المسلمين، إلا ما كان في نظرهم خيراً، كهذه الأبيات،، يقول:
خلِّ جنبيك لرامٍ وامضِ عنه بسلامِ
مُتْ بداء الصمتِ خيرٌ لك من داء الكلامِ
هكذا يريدنا السلطان في ديار العرب سالمين غانمين مكممين ملجمين!!… إنها على ما يبدو مؤشرات الكبت لا دلائل الحكمة، وإنما يُراد من التزام الصمت التزام الخنوع(!!)
الصَّمت أحياناً يكون قرين الكبت لا قرين الحكمة.. الصَّمتُ بوصفه خُلُقاً فاضلاً يحث على التّروي والاتّزان غيرُ الصّمت الذي بمعنى الخذلان والتقاعس عن نصرة الحق، ولذا قيل: حتى الأحمق إذا صمت يُعدُّ حكيماً.. ولا يعني ذلك أن يتكلم الغوغاء كيفما شاؤوا، وإنما يعني أنه لابُدَّ أحياناً من الكلام الذي بمثابة الفعْلِ، وإذا كان “الأشخاص الواثقون من أنفسهم نادراً ما يشعرون بأنهم مجبرون على الكلام”، كما يذهب أحد الحكماء، فإنهم بالمقابل كثيراً ما يشعرون بالرغبة في الكلام وسط زحام الرُّويبضة.. ما أجمل في هذا السياق ما روي في بعض الآثار التاريخية عن الأحنف بن قيس أنه ظل ساكتاً في مجلس أحد الخلفاء، فقال له: ما بالك لا تتكلم يا أبا بحرٍ؟!.. فقال: أخافك إن صدقت،، وأخاف الله إن كذبت!!