وقف المساعدات السعودية للبنان .. الأسباب والتداعيات

بعد انفراجة شهدها الملف اللبناني على الصعيد الداخلي، أعطت بصيصًا من الأمل؛ لقرب التوصل لاتفاق بين الفرقاء السياسيين؛ لحسم ملف الرئاسة اللبنانية، بعد مرور أكثر من عام ونصف على فراغ هذا المنصب، يبدو أن هذا الملف دخل الصراع الإقليمي مرة أخرى، لا سيما مع اشتداد الأزمة السعودية الإيرانية في الفترة الأخيرة.
فعقب مرور أيام قليلة على إعلان السعودية وقف المساعدات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، طالبت وزارة الخارجية جميع المواطنين عدم السفر إلى لبنان؛ حرصًا على سلامتهم. وساندتها في القرار الإمارات والبحرين، فيما عزت الرياض قراراتها هذه إلى المواقف اللبنانية المناهضة للسعودية على المنابر العربية والإقليمية والدولية.
يأتي التصعيد السعودي على أثر الموقف اللبناني بعدم إدانة الهجوم ضد البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، وامتناع لبنان عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب، الذي طالب إيران بوقف دعم الأحزاب المسلحة داخل الدول العربية، واعتبار ذلك تهديدًا للأمن القومي العربي، في إشارة إلى حزب الله اللبناني أحد المكونات السياسية في قوى 8 آذار اللبنانية.
تفاصيل عدم إدانة الاعتداء على السفارة السعودية تعود إلى شهر يناير الماضي، حين صرح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أنه امتنع عن التصويت على بيان الجامعة العربية بإدانة الهجوم على الممثليتين السعوديتين؛ لأن البيان جاء على ذكر حزب الله، واتهمه بالإرهاب.
ثمة من يرى أن هذا القرار السعودي الأخير وما أعقبه من حشد عربي لمعاقبة لبنان ليس في صالح المملكة على المدى البعيد؛ كونه سيفقدها إحدى صديقاتها في المنطقة العربية، التي حاولت في الفترات الماضية النأي بنفسها عن الصراعات الإقليمة، لا سيما وأنها محكومة بسياسات وتوازنات طائفية كثيرة، خاصة بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد قبل نحو ثلاثة عقود، انتهت باتفاق الطائف الذي يحكم لبنان. ومن هنا يرى المراقبون أن الرياض سلكت الاتجاه الخاطئ دبلوماسيًّا وسياسيًّا، بمطالبة لبنان بالخروج عن توازنات هذا الاتفاق.
وعلى ضوء هذه القرارات السعودية، ظهرت بوادر انقسام كبيرة بين مختلف الأحزاب السياسية اللبنانية، فبينما يطالب فريق قريب من حكومة الرياض بالاعتذار للمملكة، وتصحيح الخطأ بإرسال وفد حكومي للاعتذار، فإن فريقًا آخر يقلل من تأثير هذا القرار على تسليح الجيش اللبناني؛ لوجود بدائل طرحتها عدة دول، على رأسها روسيا، في وقت سابق، وكذلك العروض السخية من طهران.
وفي الوقت الذي حاولت فيه الحكومة اللبنانية تخفيف حدة التوترات مع السعودية، بإعلانها أنه من الضروري التغلب على العقبات وتحقيق الاستقرار في العلاقات بين البلدين، لم يحرك كل ذلك ساكنًا بالنسبة للسعودية، حيث صعدت الرياض من موقفها، وتضامنت معها الإمارات وقطر والبحرين لعقاب لبنان، فيما كان رد المراقبين أنه كان بمقدور السعودية عدم الاصطدام بلبنان والتعامل مع الوضع بأكثر احترافية ودبلوماسية، وذلك بتأجيل دفع هذه المنحة لسنوات، بهدوء ودون أي إعلان، وأمامها الكثير من الذرائع المتوفرة لها في هذا الأمر، كانخفاض دخلها من النفط بأكثر من 70 %، وانخراطها في حروب عديدة. لكن لم تتخذ السعودية هذا الإطار، وهو ما كان في صالح طهران بشكل عام، فاستفادت منه، ودخلت على الخط، وأعلنت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، حسين جابري أنصاري، استعداد بلاده لتوفير أي مساعدات للجانب اللبناني حال طلب الحكومة في بيروت ذلك.
توقع العديد من المحللين السياسيين أن تعليق المساعدات السعودية للبنان لا يأتي من منطلق مواقف لبنان الخارجية المناهضة للسعودية في الفترة الأخيرة فقط، لكن هناك أسباب أخرى أولها تخفيض السعودية لميزانيتها في أعقاب عجز الموازنة، وكرد فعل سعودي على فشل المفاوضات لإطلاق سراح الأمير السعودي عبد المحسن بن الوليد، الذي ألقي القبض عليه في محاولة لتهريب المخدرات من لبنان نوفمبر الماضي. وأكد محللون أن السلطات السعودية مارست ضغوطًا على الحكومة اللبنانية؛ للموافقة على الإفراج عن الأمير السعودي، لكن بيروت لم تستجب لهذه الضغوط حتى الآن.

قد يعجبك ايضا