وطن القلوب .. ووطن الجيوب
ثمة فرق بين وطن يراه أ بناؤه وطنا لقلوبهم ووطناً يفخرون بالانتماء إليه، ويعتزون بمقدراته الحضارية والثقافية ويغوصون في تاريخه ويبدعون ألقه ويومه، وبين وطن يراه حاطبو الليل من أبنائه وطنا مدرارا لهم بالأموال، ووطنا قابلاً للتفاوض وللبيع مقابل دراهم معدودات، وأثمان بخسة يتاجرون به وبمقدراته وبتاريخه وبحضارته وبكل ماضيه وقيمته، ونراهم على الفضائيات في هواء مضحك أو عواء مخذول أو نهيق منكر، يقولون قولاً ثم يأتي معتوه من بعران الصحراء كالشيلي – لا أدري أن كنت رسمت اسمه رسما صحيحا أم اخطأت فمثله لا يكاد يعنيني – ليقول لهم أن الذي يحدث في اليمن حرب وجود وأن السعودية لم تذهب إلى الحرب إلا دفاعاً عن مصالحها ومصالح دول الخليج ثم يطل آخر لا اتذكر اسمه ليقول لهم أن شراء الذمم سياسة تؤكد نجاحها في اليمن ولذلك يمكن للتحالف أن ينتصر في معركته المصيرية في اليمن طالما وهو يملك المال وحين تعلن الحقائق عن نفسها وبوضوح كامل وتتحدث الكثير من المحافل السياسية والأوساط الإعلامية عن مشروع سياسي سوف يحدث تبدلاً وتغيراً في شكل الخارطة، وتعلن مسؤولة الخارجية الأمريكية الأولى في الحكومة الأمريكية السابقة والتي تعد نفسها هذه الأيام للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كيلنتون أن أمريكا اتفقت مع الاخوان على إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتلك الإشارة تومئ أن الخوان لا يعنيهم شيء سوى التمكين والأموال التي سوف يحصلون عليها أما موضوع الدين والإسلام وموضوع السنة وأهل السنة فهو موضوع عائم ولا يحمل مفهومهاً محدداً كما أن الوطن والانتماء والهوية مفاهيم عائمة في فكر الاخوان منذ نشأتهم ولم يؤثر عنهم إلا التماهي والتعويم على مدى تاريخ تفاعلهم الثقافي والسياسي وحين يتماهون مع المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تغيير الخارطة واحداث توازن جديد قائم على التجانس والعرقيات في التكوين العام فهم لا ينظرون إلى المشروع إلا من زاوية ضيقة ذات بعد منطقي في القواعد الأصولية الفقهية وهي القاعدة التي تنص على القول: إذا تحققت المصلحة فثم شرع الله وقد اخذت هذه القاعدة من مطلق العموم إلى خصوصية القيد المرتبط بالذات أو بالجماعة ذات التجانس الثقافي والسياسي ولم يؤثر عن حركة الاخوان اجتهادا مطلقا يحقق للأمة ما تصبو إليه من سؤدد ومجد ولكنا شهدنا اجتهادات لا تتجاوز شهوة البطن وشهوة الفرج ولهم في ذلك أقوال وتخريجات لا يمكننا نكرانها، لكننا لم نشهد لهم اجتهادا ومشروعا نهضويا وقد دل تاريخهم ودل تفاعلهم على حالة الانكفاء البينية، وحالة التنافر والتضاد، وكل حالات التمكين التي تحقق لهم في العقود الماضية شهدت ثأراً سياسياً مغلفاً بغلاف ديني وفتوى صادرة من رمزيات صنعوها فعبدوها، وبمجرد التأمل في تاريخهم تجد أن الاخوان لا يبرحون اللحظات المضيئة في حياتهم فهم في مصر وبعد كل هذه السنين والتحولات والتبدلات والتفاعلات السياسية لا يبرحون فكرة الانقلاب، حتى أن مرسي في مقطع فيديو متداول في الوسائط الاجتماعية يخاطب محمد بديع ويبشره بأنه رأى الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام في منامه ويبشره بالعودة إلى الحكم, وهم في اليمن لا يتجاوزون هذا الوعي، فقد تداول ناشطون منشوراً منسوخاً من موقع قناة “يمن شباب” يقول ذلك المنشور: إن رجلاً من الإخوان بات بفندق بجانب الحرم المكي ورأى في منامه جبريل وهو يقول: إن الملائكة تقاتل معهم في كل الجبهات في اليمن وأن النصر بات قريباً ويقسم على ذلك أيماناً مغلظة، وبمثل ذلك الوعي ظل “الإخوان” يمارسون غوايتهم التاريخية القائمة على مبدأ الغنائم والأنفال وتكديس الذهب والفضة ولذلك لم يتجاوزهم وعيهم مفهوم “وطن الجيب” وهم يحسنون صناعة وطن الجيب وقد يجد المتابع لخطابهم الإعلامي والسياسي نزعة مقيتة تؤثر عن اليهود وهي نزعة التفرد والواحدية، فاليهود يلتقون مع الإخوان عند زاوية حب المال وتكديسه وكنزه، وعند مبدأ اليقين بالتفرد والاصطفاء, فخطاب الأخوان لا يكاد يخرج عن مبدأ “شعب الله المختار” ولذلك تجدهم يبكون الصغائر ويستعظمونها إن كانت فيهم ويستصغرون العظائم ويقللون من قدرها إن كانت في غيرهم, ولعمري لقد صهرت نيران العدوان الناس وامتازوا وتمايزوا في فئتين دل عليها العنوان.