أشياء لا تعني أحداً
عبدالمجيد التركي
للمساءات حمقى ومغفلون، أنا واحدٌ منهم بالتأكيد.. أعود وبي هواجسُ تكفي لإفساد عشر راهبات، أجد كلَّ شيءٍ مكانه.. العشر الراهبات كفرن بأفكاري وهواجسي، فأبسطُ يدَ الهوى كصديقي أبي فراس، وأنا أتخيَّل كلَّ شيءٍ ليس في متناول يدي. للمساءات أجنحةٌ ملوَّنة بالدم، وأصابعُ لا تجيد القراءة، ونتوءاتٌ تشبه الأثداء.. أقطع مسافة الليل بغبنِ طفلٍ خرج من متحف الآثار وقد صدمته كلُّ الفاترينات بعبارة واحدة:
“ممنوع اللمس”..
للمساءات جيوبٌ كثيرة تتسع لهذيان المحمومين، وغنائم اللصوص، وتأوُّهات العشاق.. العشاق!! كم أصبحت هذه الكلمة باردة لكثرة شيوعها كما لو أنها أحد الأمراض الستة القاتلة..
للمساءات حزنٌ شفيفٌ يكاد يُرى.. ومواجعُ سوَّلت لك، فتسوَّلتَ بها حين أيقنتَ أنها عاهَتُك الكبرى..
كلُّ شيءٍ يوحي بنقيضه.. المرايا تفقد حدسَها في التعرُّف على الوجوه.. والماء فقَدَ كلَّ عناصره، ولم يبقَ له سوى النقاء العاجز عن مقاومة اتِّساخ العطش..
للمساءات وجوهٌ عديدة، كما لو أنها صديقٌ لا هواية لديه سوى جمع الأقنعة وصور الموتى في ألبومٍ يشبه المقابر الجماعية..
مساءاتٌ تمارس طغيانها كهذا الصديق الواهم بأن كلَّ المتواجدين في الألبوم ضحاياه، لكي يثبت لنفسه شيئاً واحداً، ينكسر كلَّما تذكَّر أنه لا يجيده مع مَنْ هُم خارج ألبومه.. مساءاتٌ خالية من أيِّ بهار، تعرضُ صورتكِ فأبكي كطفلٍ تكافئه أمه بحفنةٍ من الفلفل نظير ما يتفوَّه به من كلامٍ أسود..
مساءاتٌ أقتلُ ساعاتها في تأمل الحميمية بين توم وجيري، رغم عداوتهما المزمنة، فأتمنى لو نستطيع تجاوز كل شيء لنصل إلى ما وصلا إليه.. الأشياء الجميلة تغيَّرت كثيراً.. حتى شراب السعال المرّ أصبح بنكهة الأناناس، لتوفير الكذبِ على الأمهات.