(البراءة) أول الضحايا ؟!!
من أغرب التحديدات وأطرفها، أن تكون الحرب أهم الظواهر الاجتماعية، التي تلد التاريخ, ومن يتمعن في سجل التاريخ البشري سيلاحظ أن المحطة الرئيسية لأي تغيير هي الحرب, فالتاريخ مليء بالمعارك والغزوات وبأدق التفاصيل.
وهي المحطات الأبرز في صيرورة الحضارات وما وصلت إليه هذه الدولة أو تلك, ووصل أثرها إلى أغلب النشاط المجتمعي, حتى أنها زاحمت الزمن المعلوم للجميع, فيقال للتدليل على حادثة أو حدث ما تم ذلك قبل الحرب الفلانية أو بعدها.. بل إن مفهوم السلم وإن كان يمثل النقيض للحرب صار يستمد أهميته منها ومن التسليم بحتميتها!
البدايات هي من ترسم وتحبك القصة.. الأيام الأولى من التورط أو لنقل الحماقة السعودية التي أغرقتها قبل أن تغرقنا في مستنقع قذر ستمتد نجاساته إلى أجيال وأجيال.
حربهم أو حربنا لا فرق هي ما ستحكى في قادم الأزمان وهي ما ستلقن لأجيالنا وأجيالهم كل حسب رؤيته لهذه السقطة الإنسانية التي ستكون الدروس للصغار والذكرى السيئة للكبار.
كيف سنكتب ويكتبون فصولها وأحداثها؟ وهل سنحتاج لفلسفتها ؟ أم هم من سيكونون محتاجين لهذه الفلسفة غير البريئة؟
ميلاد جديد سيضاف إلى عديد بنات الحروب التي سبقته .. هناك من سيدونها بأسلوب وصفي أو يوثقها كوصايا للأجيال القادمة, وهناك من سيسردها كقصة, وفعلا هي كذلك كما حياتنا جميعاً قصص يرويها من يأتي بعدنا.
نحن اليوم نختبر الحرب واقعاً فيما نؤسس في نفس الوقت لتلقينها للأجيال القادمة.
حتماً ستنتهي الحرب ولكن قصتها ستعيش وستحكي رحلة شعب حافي القدمين فوق أرض سبخة لا تنبت غير الأشواك تحيط بها شعوب لا ينقصهم شيء ولا يكدر حالهم خطر ولا ينغص عيشهم عوز, ولكنهم رأوا في ارض جيرانهم المتعبين الحفاة ما لم يتنبه له أهل هذه الأرض ولم يستفيدوا منه, فشنوا عليه حربهم فقتلوا ودمروا بداعي الحرص وإرادة الخير لأهله؟!
بالتأكيد كل الفاعلين أو لنقل المقاولين لهذه الدماء سيحاولون وبشتى الطرق تصويرها على غير حقيقتها, سيصطنعون لها أبطالا وفرسان, ورموز من خامات متعددة – مناطقية مذهبية سلالية عصبوية حزبية الخ.
ستكون هناك أسماء لأبطال وقادة, وسيكون هناك استحقاق يدعيه هذا وذاك, وبالتأكيد سيكون هناك إنصاف وأيضاً تزوير, سيصطنع لهذه الحرب رموز في البطولة والفروسية وهي لا تعرف حتى معنى البطولة وما هي ماهية الفرسان.
ولأن واقعنا كأمة عربية غلب عليه التزوير والمغالطات فلا بأس أن نتنبأ بأنه سيكون هناك سرقات لأدوار وتقمص شخصيات من قبل تلك العينات الطفيلية التي تسرق لنفسها أمجاداً ليست أهلاً لها.
ولأن أصحاب هذه الأدوار من (الأبطال والفرسان والشجعان ) سيكونون إما قد فارقوا الحياة أو أن من سيمنح هذه الألقاب والصفات لا يعرف عنهم شيئاً أو انشغلوا وربما تم تغييبهم وإشغالهم بزحمة هموم الحياة التي ستستوجب منهم عصر وسحق وفرم ما تبقى لهم من الشجاعة والبطولة في معترك البقاء وتوفير مقومات العيش الكريم فإن تكرار الماضي وارد.
هذا ليس كلامي وإنما هذا ما جرت عليه السنن البشرية وما دونته مجلدات التاريخ, ( يخطط لها الدهاة ويصنعها الأبطال ويحكمها الجبناء) تلخيص واقعي للبدايات والأحداث والنتائج.
وهذا ما سيكون عليه حال أبطال اليوم الحقيقيين لن يخرجوا من هذه الحرب بأي مكسب, ولن ينافحوا على لقب أو مكسب لأن سماتهم أرفع من الجري وراء المكسب بداعي طلب الأجر أو بسوق المن في ما قدموه, وهذه السمة هي جوهر الخلل الذي يتكئ عليه الجبان الذي يتسلل ويتسلق وينتهزه الأدعياء.
سيكتفون بنظرة الاحترام وبكلمة طيبة وربما وسام أو دور ثانوي لا يكلفهم إراقة ماء وجههم أو الدخول في المناكفات والزحام على أمور دنيوية في ميادين سياسية نجسة لا تعترف ولا تحدد قوانين لطبيعة التنافس والتدافع ولا أدواته, التي هي بالطبع أدوات يغلب عليها صفات مبتذلة اقل ما يقال عنها أنها أساليب خسيسة وغير منصفة.
سيعفون عن المكسب لأن هذا ما يمتاز به الفارس والبطل, وابن اليمن بالتحديد, وسيتأقلمون مع بالذكرى والعيش مع النتيجة التي لا تمثل غير حصيلتهم من الجراح التي أثخنوا بها والآلام والخيبة التي ستعتصر ما نجا من ساعات حياتهم.
في الطرف المقابل أولئك الساقطون والمتلونون والأدعياء والمزيفون هم في الأخير من سيجنون المكسب ويتنعمون بالخيرات التي جلبتها تلك الأرواح وأولئك الرجال (الأبطال), وأيا كانت النتيجة مكسباً أو خسارةً.. نعم فالخسارة أيضاً لها مكاسبها عند هؤلاء.
ولأن الأراذل وكما حكتهم السير وكتب التاريخ طفيليون ينبتون ويعيشون على عرق وتضحيات غيرهم, من المجتهدين وبالذات أولئك البسطاء الذين لم يتسن لهم رؤية العالم على حقيقته وانخدعوا بما صورته لهم تلك العينة التي تقتات وتكبر على حساب غيرها.
لا ريب أن أي محاولة للتغيير في حياتنا إلى الأفضل أمر ايجابي ولها ثمن يجب دفعه, ولكن من المؤسف أن تكون الوسيلة القبضات المتشنجة.