بهجة غير متوفرة
عبدالمجيد التركي
في الثمانينيات كانت تشدُّني الصور وأغلفة الألبومات الغنائية التي كان يضعها السائقون على زجاج سياراتهم.. كنت أبقى أتأمل صور سميرة توفيق، وليلى نظمي، ووردة الجزائرية، والشحرورة صباح، وشادية، وفريد الأطرش أحياناً.. لكن غمزة سميرة توفيق الشهيرة وشامتها الكبيرة كانت تحتلُّ المساحة الأكبر في زجاج السيارات التي يمتلئ سائقوها بالحياة، حتى ليخيَّل إليك أن هذه السيارات تعمل بالموسيقى وليس بالبنزين.
كانت الحياة جميلة، والناس بسطاء، وكانت أدواتهم بدائية تتمثَّل في تلفزيون بالأبيض والأسود حينها، ومسجل عادي وراديو فقط، ولأن شريط الكاسيت آخر ما توصَّل إليه العلم حينها، كانت غمزة سميرة توفيق تفجِّر في الروح ألعاباً ناريةً ملوَّنة، وكان صدرُ وردة مضربَ مثلٍ في القرى اليمنية، لأنهم لم يكونوا يعرفون غيره.
جاء المدُّ الوهابي إلى قريتي، شهارة، فانحسرت تلك الصور، وخفت صوت الموسيقى، وأصبح سائقو سيارات الصالون- الذين كانوا ينقلون السيَّاح والركَّاب في بداية التسعينيات- يستمعون إلى المواعظ التي كانت في معظمها عن عذاب القبر وأوصاف الشجاع الأقرع، وعقوبة تارك الصلاة، والتشديد على عقاب من يستمع إلى الموسيقى.. بعض هذه المواعظ كان من قصص “العائدون إلى الله”، ويحكي العائدون فيها أنهم رأوا طريق الحق والهداية بعد أن تركوا التدخين وسماع عبدالحليم حافظ!!
الآن، نعيش في عصر الـ CD، والفلاش، ونمتلك سيارات حديثة، لكن زجاج هذه السيارات الفارهة لا يبدو مبتهجاً كزجاج سيارات الثمانينيات.. إذ أن زجاج السيارات الآن تحوَّل إلى مساحة لإلصاق صور الشهداء والاغتيالات، وكأنه يعكس المساحة السوداء في نفوس الناس والوضع العام الذي تبدو عليه البلاد، وكأننا في مناحة وعزاء دائم..
Magid711761445@gmail.com