صادق محمد وجيه الدين
مع كثرة الدراسات التي تناولت فلسفة نقد العقل، سواء أكان ذلك في الفلسفة الإسلامية أم الفلسفة العامة، وكذلك كثرة الدراسات التي تناولت الإمام أبا حامد الغزالي (ت505ه)، حجة الإسلام الفيلسوف والمتكلم والفقيه والصوفي والأصولي، والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (ت1804م)، المعروف بالإطلاق الألماني بـ”كانتْ”؛ فإنَّ هذه الدراسة تحظى بالكثير من الأهمية، ليس لأنها أول دراسة تقارن بين هاتين الشخصيتين المعروفتين في الميدان الفلسفي على مستوى العالم فحسب، وإنما –إلى جانب هذا- أنها ركَّزت على “نقد العقل” وهو موضوع غاية في الأهمية، ولا سيَّما عندهما، فهذا الجانب يُعد أهم ما يميّز فلسفة كلٍّ منهما، ويُعنى به الطبيعة النقدية لفلسفتيهما بصدد المعرفة ومناجمها بصورة عامة، أو المدقق النقدي من الميتافيزيقا وجهود العقل في معالجة قضاياها بصورة خاصة.
هذه الدراسة التي هي للأكاديمي اليمني البارز أ.د.عبدالله محمد الفلاحي، نائب رئيس جامعة إب للشؤون الأكاديمية، أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية الآداب؛ حاولت أن تكشف عن القسمات العامة للفلسفة النقدية لكل من الغزلي وكانط، من خلال إجراء المقارنة بينهما في ضوء الاتجاه النقدي لكل منهما في نظرية المعرفة بعامة، والموقف النقدي من الميتافيزيقا وقضاياها الأساسية بخاصة. وقد سوّغت الدراسة هذا الاختيار على أساس أن لكل من الغزالي أو كانط مرحلة نقدية بحيث قسمت الفلسفة في عصرهما الى ما قبل النقد وبعده، بعد أن أبانتْ عن الحالات النقدية التي سبقتهما، وأنهما مثلاً خاصة للعديد من المواقف التي سبقتهما في تاريخ الفلسفة.
وركَّزت الدراسة التي هي في الأصل أطروحة دكتوراه في الفلسفة، نوقشت في كلية الآداب بجامعة بغداد 2001- 2002م، في قسمها الأول على حالات النقد والتقويم لليقين العقلي في نظرية المعرفة عموماً، والميتافيزيقا خصوصاً في الفلسفة قبل الغزالي وكانط، ووجدت أن صور هذه المراجعة تجلت بثلاثة مواقف أساسية؛ هي: الموقف الشكي، والموقف اليقيني، والموقف القائل بتعادل الأدلة. كما أبانت الدراسة عن أثر الغزالي كذلك في العديد من فلاسفة العصر الحديث بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويأتي في مطلع هؤلاء: ديكارت، وقبله مونتاني وباسكال وكذا مالبرانش وسبينوزا وهيوم وكانط، اعتماداً على ما قدمته بعض الدراسات التي عنيت بالمقارنة بين الغزالي وبعض هؤلاء الفلاسفة. وهكذا ارتأت الدراسة أن الفجوة التاريخية قد سدت بين عصري الغزالي وكانط، من خلال التفاعل الثقافي الذي حدث بفعل حركة الاتصال بين العصر الوسيط والحديث مثلما فعلت حركة الترجمة من الاتصال بين فلاسفتنا وفلاسفة العصر اليوناني والروماني، وواصلت بيننا وبين فلاسفة العصر الوسيط اليهودي والمسيحي.
وبشكل عام؛ فالدراسة تبحث في طبيعة الإجابات المتعددة عن التساؤلات الآتية على شاكلة: هل المعرفة ممكنة؟ وماذا يمكنني أن أعرف؟ وهو السؤال الذي جاء بمثابة الدعوة إلى المراجعة وتقديم قدرات الإنسان في المعرفة، وإمكانية الحصول عليها، وما الذي يمكن للإنسان معرفته من هذه الموضوعات.
وسبق أن نُشرت الدراسة خلال السنوات الماضية عن دار الكتب العلمية و المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، وكلتاهما في العاصمة اللبنانية “بيروت”، وسجَّلت -أي الدراسة- حضوراً طيباً في عددٍ كبيرٍ من معارض الكتب على المستوى العربي، وفرضت نفسها مرجعاً مهماً أفاد منه الكثير من الباحثين والدارسين في تخصصات الفلسفة والفكر الإسلامي وعلم الاجتماع ونحوها.