* نقل الأعضاء من ميت لحي
السؤال:
ما حكم نقل الأعضاء من ميت لحي وهو في حاجة ماسة إليها؟؟
الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أجمع العلماء فيما أعلم على حرمة أخذ أي عضو من حي لحي أو من ميت لحي من دون إذن أو رضا كما أجمعوا على حرمة بيع الأعضاء ممن كان ولمن كان وذلك لحرمة جسد الإنسان حياً كان أو ميتاً واختلفوا فيما إذا كان ذلك تبرعاً من حي لحي أو وصية من حي بالتبرع بأعضائه بعد موته لمعين أو لغير معين أو تبرعاً من ورثة الميت بأعضاء مورّثهم, فمن العلماء من ذهب إلى الحرمة مطلقا في الحياة وبعد الممات واستدل على ذلك بقوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وتبرع الإنسان بأخذ أعضائه لا سيما الأساسية منها كالقلب والكبد وما تبقى له من كلى يعد قتلاً لنفسه إذ لا تقوم حياته إلا بها وتبرعه بعد ذلك تعريض لنفسه للهلاك والخطر والمطلوب منه صيانة نفسه وحفظها عن كل ذلك.
وقد علم أن حفظ النفس من الضرورات الخمس المعلومة التي هي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال واستدلوا أيضاً بقوله تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإن وردت الآية في سبب خاص إلا أنها تقتضي العموم والعام لا يقصر على سببه كما هو معلوم في الأصول كما استدلوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام …..الحديث وحملوه على عمومه في حرمة ذلك سواء كان تبرعاً أو اغتصاباً أو اعتداءً وإذا كان قد حرم الدماء فبالأولى الأعضاء التي تكون بها حياة الإنسان .
كما استدلوا أيضاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لعن الله الواصلة والمستوصلة ) وهذا النهي واللعن لمجرد وصل شعر المرأة بشعر غيرها كيف لو كان بما هو أعظم من ذلك وهو بسائر الأعضاء .
واستدلوا أيضاً بالنسبة للميت وعدم جواز أخذ عضو من أعضائه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الميت ليتأذى مما يتأذى منه الحي ) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم (كسر عظم الميت ككسره حياً ) ونحو ذلك مما يدل على أن حرمته كحرمة الحي كما استدلوا بقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وفي تبرع الإنسان بعضو من أعضائه الرئيسية تفويت لهذا الغرض أو تبرعه بعضو من أعضائه غير الرئيسية نقص لهذا الغرض وأما كونه لبعد موته فإنه لا يحق له أن يتصرف في جسده بعد موته كما لا يجوز له أن يتصرف به في حياته وإذا كان لا يجوز له أن يتصرف ببدنه فبالأولى لا يجوز لورثته أن يتصرفوا هم في أي عضو من أعضائه إذ أنه حق محض لله تعالى . كما ذكروا أنه إن اقتطع من الحي شيء فقد صار نجساً لأنه قد صار بائناً من حي وما أبين من الحي فهو نجس ولا يجوز التداوي بالنجس هذه خلاصة ما قيل من أدلة المحرمين لعل في بعضها نظر كما لا يخفى.
أما من ذهب إلى جواز التبرع فأنه ذهب إلى أن ذلك من الضرورات وعند الضرورات تباح المحظورات واستدل بقوله تعالى ((إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)) ونحوها وفي الاستدلال أيضاً بهذه الآية نظر لأنها وإن دلت على إباحة المحظور عند الضرورة إلا أنها ليست على إطلاقها ولا تعني الاعتداء على أنفس الغير لحفظ نفس بهلاك نفس وهذا معلوم الحرمة غير أن من أباح ذلك أشترط أن لا يكون التبرع بما به تكون الحياة فلا يجوز بما يسلب حياة الإنسان كالأعضاء الرئيسية فيه كالقلب والكبدة والرئة ونحو ذلك , وأجاز التبرع بالأعضاء الثانوية كإحدى الكليتين ونحو ذلك مما يحافظ على حياة المتبرع له مع بقاء حياة المتبرع كما اشترطوا أيضاً أن يغلب في الظن نجاح عملية النقل وحفظ حياة المتبرع له , واشترطوا أيضا أن لا يقوم بهذا العمل إلا الخبراء في هذا المجال , كما اشترطوا أن لا يكون نقل بعض الأعضاء لمجرد الزينة وكمال الصورة كوصل الشعر والسن واليد وما شابه ذلك وحصروا التبرع وجواز النقل فيما يمكن به إنقاذ حياة الإنسان دون الإضرار بحياة المتبرع لا غير , وردوا على أدلة المحرمين بأنه مخصوصة بمن يعرض نفسه للخطر والهلاك من أجل الدنيا أو لغير غرض نبيل أو انتحاراً أو ما شابه ذلك , أما من أفتدى بدمه الغير فهو داخل في ضمن من قال تعالى ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) طبعاً مع مراعاة الشروط المذكورة آنفا .
وقد ورد مدح من آثر أخاه بطعام أو شراب أو مال هو أحق به فكيف بمن آثره بعضو من أعضائه.
كما أن في هذا التصرف إحياء نفس وقد قال تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) بقينا فيما إذا كان التبرع لما بعد الموت وفي هذه النقطة إشكال وهو أنه إذا كان العضو قد تلف بعد الموت فما الفائدة في نقله أصلاً وإن كان ما زال حياً في حالة ما يسمى بالموت السريري فإن الحرمة باقية إذ لم تتحقق الوفاة هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المرء إذا توفي فلا حق له في جسده حتى تنفذ فيه الوصية وإذا كان لا تنفذ وصيته في جسده فبالأولى ألا ينفذ ولا يجوز تصرف ورثته به أو بجزء من جسده لأن الورثة إنما يرثون ماله لا جسده ولعل التوقف والترك في هذه الصورة هو الأحوط إذ الشبهة فيه قائمة والمؤمنون وقافون عند الشبهات ويحصر الجواز والله أعلم فيما إذا كان تبرعاً بشيء من جسده لا يضر به ولا يفقده حياته لإنقاذ حياة شخص آخر دون ما زاد على ذلك والله تعالى أعلم.
المجيب:
السيد العلامة/شمس الدين شرف الدين