*اعتبرها سياسيون رسالة تحذير:
أثار تلويح راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية بـ”الحوار أو القتال” بشأن ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات التي تقودها الفئات الهشة والعاطلين عن العمل، مخاوف خصوم النهضة من قوى سياسية ومدنية وجزء من الرأي العام من خلفيات هذا “التهديد” وتداعياته في ظل الأوضاع العامة الهشة اجتماعيا وأمنيا وسياسيا.
وجاء “تلويح” الغنوشي في وقت تحشد فيه قيادات الأحزاب السياسية العلمانية سواء منها المؤتلفة في الحكم أو المعارضة وكذلك منظمات المجتمع المدني، جهودا لإطلاق حوار وطني يفضي إلى وضع خطة تنموية وسياسية تكون كفيلة بالاستجابة لحقوق المحتجين في التنمية والتشغيل.
وكان رئيس الحركة الإسلامية التي تشارك في حكومة الحبيب الصيد بحقيبتين وزاريتين قال حرفيا أمس الأول لوسائل الإعلام المحلية في أعقاب لقائه بالحبيب الصيد رئيس الحكومة: “ليس أمامنا خيار سوى الحوار أو القتال” مضيفا: “وبما أنّنا نرفض القتال فلا يبقى أمامنا سوى الحوار”.
ورأى سياسيون ونشطاء وإعلاميون في استخدام الغنوشي لكلمة “القتال” مؤشرا له تداعيات على “خيار الحوار” الذي يراهن عليه الفاعلون السياسيون والمدنيون وأغلبية التونسيين لتنفيس الاحتقان وتهدئة الأوضاع العامة من خلال التوافق على خطة وطنية تنموية وسياسية تستجيب لمطالب المحتجين.
وعلى الرغم من أن الغنوشي شدد على أن النهضة ترفض القتال وتختار الحوار، إلا أن تضمينه “القتال” خلال تصريحاته رأى فيه محللون كلمة غريبة على الخطاب السياسي الذي تنتهجه الأحزاب والقوى المدنية في تونس التي راكمت خلال السنوات الماضية تجربة حوار وطني ناجحة.
وتتناقض مفردة “القتال” تماما مع مفردات الثقافة السياسية التونسية التي تتمسك بـ”الوحدة الوطنية” و”السلم الأهلي” و”الحوار” بين الفرقاء باعتباره الآلية الوحيدة الكفيلة بالتوصل إلى رؤية واضحة تقود إلى التعاطي الإيجابي مع المشاغل المعيشية لمجتمع أنهكته أزمة عامة طيلة خمس سنوات.
وإضافة إلى تناقضها مع الثقافة السياسية العامة تبدو المفردة متناقضة أيضا مع مفردات خطاب سياسي جديد انتهجته النهضة خلال الفترة الماضية يسعى إلى التأكيد على “التوافق” بين مختلف القوى الفاعلة في المجتمع وإلى نوع من الانفتاح على المشهد السياسي ذي المسحة العلمانية.
وتتساءل الأوساط السياسية باستغراب عما إذا كانت إشارة الغنوشي إلى “القتال” زلة لسان أم هي “تحذير” من الزج بتونس في الفوضى الأمنية والسياسية والاجتماعية مشددة على أنه في كل الحالات يفترض ألا يستنجد رئيس النهضة بمفردات القاموس الحربي في مجتمع مسالم يرفض أي شكل من أشكال العنف حتى وإن كان على مستوى الخطاب السياسي.
ومما عمق مخاوف القوى السياسية والمدنية هو أن “القتال” جاء في ظل مرحلة حرجة تمر بها تونس من أبرز ملامحها هشاشة الأوضاع الاجتماعية والأمنية التي باتت تهدد كيان الدولة المدني بالانهيار في ظل تزايد مخاطر هجمات الجهاديين على التجربة الديمقراطية الناشئة.
ويخشى التونسيون المحتجون أن تتم “سرقة” احتجاجاتهم السلمية المشروعة من قبل أي جهة وتجريدها من سلميتها ومشروعيتها من خلال تحويلها إلى عنف يرفضونه رفضا قطعيا.
ويرى خصوم النهضة أن مثل تلك التصريحات ليست “زلة لسان” وإنما هي تعكس طبيعة ما يقولون انه الخطاب الذي تتبناه جماعات الإسلام السياسي وهو خطاب يرتهن إلى مفردات تميل إلى التشدد والعنف.
غير أن عددا من السياسيين يقللون من خطورة خلفيات وتداعيات تصريحات الغنوشي على خيار الحوار الوطني لإنقاذ البلاد من أزمتها.
ويضيف السياسيون إن تلك التصريحات تستبطن “رسالة تحذير” إلى الأحزاب الائتلافية الحاكمة والمعارضة وقوى المجتمع المدني من انزلاق البلاد في الفوضى الأمنية والاجتماعية ما لم يسارع الجميع إلى حوار وطني شامل ينأى بالاحتجاجات السلمية المشروعة عن أي شكل من أشكال الفوضى.
Next Post