فراغ النفس المسلمة

للشيخ العلامة المرحوم محمد الغزالي
إذا كا الأوروبيون لا يألفون إلا أن يكون وجه المرأة سافرا فليسقط النقاب ولتمض كلمة التوحيد في طريقها .وإذا كانوا يرون أنها تلي منصب القضاء أو الوزارة , فمن يصدهم عن الإسلام لأن من فقهائنا من يمنع ذلك ! ألا فليسلموا , ولتسقط العقبات التي تصدهم عن دين الله !
من قال : إن الإسلام يشترط تبعية لمذهب فقهي معين في الفروع ؟ إن في الدعاة فتانين يصدون عن سبيل الله , ويكرهون الناس على اتخاذ سبل أخرى.
سيطر عليَ وأنا في كندا شعور من الكآبة والمرارة لأن نزاعا حدث في أحد المساجد , أتقرأ سورة قبل خطبة الجمعة أم لا؟
إن النازحين إلى العالم الجديد حملوا معهم جراثيم العفن في عالمهم القديم ! وبدهي أن يكونوا صورة للأقطار التي أتوا منها ! هل فكر أقلهم أو أكثرهم في أسباب تخلف الأمة التي ينتمون إليها؟
كان من المستطاع أن تكون (الأقليات) الإسلامية في أوروبا وأمريكا وأستراليا رؤوس جسور يعبر عليها الإسلام –وكل شيء هناك يتطلبه ويهفو إليه – لو أن المسلمين يفقهون دينهم ويصنعون من أنفسهم ومسالكهم صورا وسيمة له .
أما الاشتباك في حرب حياة أو موت من أجل التصوير الشمسي أو من أجل نقاب المرأة فضلاً عن حقوقها الطبيعية فلا نتيجة إلا الفشل .
سنن الكون
* آفاق الكون في نظر المسلمين لا تضبطها سنن , وخيرات الأرض تحت أقدامهم لا يستغلها عقل مكتشف أو جهد طموح . أما الأوضاع الاقتصادية والسياسية فإن تعاليم الإسلام في الحكم والمال لا تكاد تعرف.
ومن بضعة قرون وأجهزة الدعوة الإسلامية معطلة فلا منهج يوضع , ولا متابعة تكشف.
فلما ذهبت طوائف من العمال الذين يتلمسون الرزق , أو الطلاب الذين ينشدون العلم إلى أوروبا وأمريكا , وجدوا عالما آخر موارا بالسعي والقدرة والذكاء دونه بمراحل ما خلفوا وراءهم من جماهير خاملة وسلطات تائهة.
ماذا يقول هؤلاء وأولئك عن الإسلام ؟ أو ماذا يعرفه الناس عن الإسلام الحق حين يتأملون أحوالهم وأعمالهم؟
لا طريق لأن يعرف الأجانب الإسلام إلا عن تأمل في تطبيقنا له ! أو عن تفهم لحديثنا عنه . فإذا كانت تطبيقاتنا رديئة منفرة , وكانت كلماتنا تتضمن أخطاء شنيعة , فكيف يُفهم هذا الدين ؟ ولماذا يدخل الناس فيه؟
إن إسرائيل طردت رئيس وزراء رأت في تصرف مالي له شائبة إدارية لا تمس النزاهة الخلقية ,فماذا نقول نحن عن الحكم الإسلامي الذي يتولاه الصعاليك حينا من الدهر فيخرجون وخزائنهم مثقلة ؟ من حوسب منهم ؟ ومن جُرد من مال الحرام ؟
ضيق الفطن
* ماذا حدث عندما يجيء دعاة مسلمون ينتمون إلى السلف ويؤلفون كتبا تزعم أن القرآن نيفا وربعين آية تقرر جمود الأرض في موقعها ودوران الشمس حولها .. وهو زعم كاذب لا ينطوي إلا على خليط من الجهالة والكبر! وهو في هذا العصر فتنة عن الإسلام , وإساءة بالغة لكتابه الأول.
لو أن بدويا اعتنق هذا الفكر , فليعش أو ليمت به إن شاء.!
أما أن يقول باسم الإسلام كلاما يخالف أبجديات العلم الحديث وحقائقه المستقرة , فمعنى ذلك أنه يفتن العلماء عن الحق , ويجعل جمهرتهم تحس هذا الدين بقية من خرافات القرون المتأخرة ومن ثم فإن تدريس الفيزياء والكيمياء والأحياء والجغرافيا وبعض الأوليات في الجيولوجيا والفلك أمر يحتاج إليه المشتغلون بالدعوة حتى لا يصعد مجنون منبرا ويكذب باسم الإسلام وصول الامريكيين إلى القمر.
ونصل إلى الحركة السفلية التي قادها في القرن الماضي محمد بن عبدالوهاب إن كل غيرة على التوحيد مشكورة , وكل جهد لتنقية العقائد من الشوائب والأقذاء مقدور!
وما أعرف مسلما ذا عقل يخاصم هذه الحقائق أو يعترض أصحابها , ولو رزق محمد بن عبدالوهاب اتباعا ذوي حكمة وبصيرة لكانت الأقطار التي انفتحت له أضعاف مساحتها الآن.
إن الدعاة المصابين بضيق الفطن , واصطياد التهم , وشهوة الغلب يضرون أكثر مما ينفعون .
الإسلام مظلوم
* أعرف من يقول : إن كشف النصوص ليس عبقرية , وإن كشف أمريكا والعالم الجديد ليس عبقرية , غير أننا محتاجون إلى أصحاب هذه العبقريات المنكورة , إن مكتشفي النفط لم يخلقوه من عدم , وإنما عرفوا مكانه وأحسنوا تقريبه ونفع العالمين به ..والإسلام مظلوم مع أصحاب النظر القصير والرؤية المحدودة , لأنهم يقرون ما يعرفون وينكرون ما يجهلون ..الفلاح يرى الدنيا مروجا خضراء .والبحار يراها أمواجا زرقاء والبدوي يراها رمالا عفراء .. والدنيا أوسع مما يرى هذا وذلك , ولم أعجب عندما بلغني أن عالما ضليعا في الفقه أنكر غزو الفضاء , وظنه احتيال خبثاء ,لأن الدنيا في عالمه الدراسي لا تعدو التقعر في بعض العبادات , والغفلة عما وراء ذلك ..وقد غبرت قرون على المسلمين وهم داخل السجن أنفسهم ورسالتهم , فلما صحوا آخر الأمر وجدوا أنفسهم غرباء على الدين والدنيا معا! ويجب توفير عناصر النجاح للصحوة الإسلامية الحاضرة فإن المتربصين بها والحاقدين عليها كثيرون وأول ما نصنعه بناء الأجيال الجديدة على قواعدها الدينية وتقديم زاد ثقافي غني يكفل لها القوة والعافية .
في مقدمة المواد الثقافية علم العقيدة وأرى انتقاء عدة فصول من كتابي (العلم يدعو إلى الإيمان) والله يتجلى في عصر العالم . مع تضمينه حسنة من الآيات والسنن تعرض أركان الإيمان على منهج السلف وأجدني مسوقا إلى إعلان كراهيتي لأغلب المتون والحواشي , ويستطيع المدرس الذكي أن ينتقي منها ما يصلح لعصرنا مع إطراح الباقي .

قد يعجبك ايضا