بعد دعمه لها.. السعودية في مرمى نيران الإعلام الغربي

خالد عبدالمنعم 
أثار تصعيد وتيرة انتقادات وسائل الإعلام الغربية للسعودية عدة تساؤلات، حول حدوث هذه الحملة الإعلامية، خاصة أن أمريكا وبريطانيا تصدرتا المشهد الانتقادي.
ففي الولايات المتحدة تم توجيه انتقاد لاذع لدعم واشنطن للسعودية، في حوار أجرته شبكة سي إن إن تحت عنوان «دعم أمريكا للمملكة العربية السعودية يعتبر سيفًا ذا حدين» مع المحلل السياسي فريد زكريا، الذي لخص المشكلة أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية والعديد من الأنظمة في المنطقة العربية غذى ظهور التعصب الإسلامي والإرهاب.
وفي بريطانيا انتقدت صحيفة الجارديان سياسة بريطانيا مع السعودية، في مقال تحت عنوان «تصدير السلاح للسعودية لعنة تهدد كاميرون»: تواجه حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اتهامات بخرق القانون الدولي، مع إصرارها على السماح بتصدير الأسلحة للسعودية التي تستخدمها في هجماتها التي خلفت آلاف الضحايا في اليمن.
وقالت في تقرير نشر أمس الأول: تواجه الحكومة البريطانية أزمة دولية بعد خرقها القانون الدولي بسماحها بتصدير صواريخ بريطانية ومعدات عسكرية إلى المملكة العربية السعودية، التي قد تكون استخدمتها لقتل المدنيين في اليمن.. ولعل اعتراف وزير خارجية بريطانيا مؤخراً بأن بلاده تساعد في تحديد أهداف الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن دليل فاضح على مشاركة المملكة المتحدة في العدوان على اليمن.
واستعرض باتريك كوبيرن في مقال كتبه بجريدة الإندبندنت تحت عنوان «الأمير السعودي الساذج المتعجرف يلعب بالنار» استعرض فيه مُذكّرة استخباراتية تنتقد ولي ولي العهد السعودي، حيث يشير الكاتب إلى أن الاستخبارات الألمانية نشرت مُذكّرة نهاية العام الماضي توضح الخطر من وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأن الرياض تعتمد سياسة متهورة في الآونة الأخيرة.
ونقلًا عن كوبيرن، فإن المذكرة وصفت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه سياسي مقامر يعمل على شل العالم العربي من خلال تورطه بحروب بالوكالة في سوريا، وقال كوبيرن: إن وكالات التجسس لا تقوم بالعادة بالكشف عن مثل هذه المعلومات والوثائق لوسائل الإعلام وتنتقد فيها حليفا قويًّا ومقربًا لها كالسعودية، وأضاف: إن تحذيرات وكالة الاستخبارات الألمانية تعد إشارة على زيادة المخاوف من أن السعودية أضحت ورقة غير مضمونة.
تراجع اقتصادي
انتقدت صحيفة «ليزيكو» الفرنسية السياسية الاقتصادية السعودية وقالت الصحيفة تحت عنوان «متى ستفلس المملكة العربية السعودية؟»: إن الاحتياطات المالية للسعودية ستنفد بحلول عام 2020م بسبب انخفاض أسعار النفط، والإنفاق العسكري والالتزامات الاجتماعية، وأوضحت الصحيفة أن الانخفاض السريع في الأسهم المالية السعودية دفع الحكومة إلى رفع أسعار الوقود بنسبة 50%، مرجحة أن القادم هو توقف دعم الماء والكهرباء وتجميد مشاريع البناء، وأردفت الصحيفة: إن الرياض تدرس لأول مرة فرض ضريبة 5% على القيمة المضافة.
وقالت الصحيفة: عجز الموازنة وصل إلى 19% من الناتج الإجمالي في العام الحالي، مضيفة إن مجمل مبيعات النفط لا تغطي سوى نصف تكاليف المملكة السعودية، مما سيدفع الرياض إلى الدين أو اقتراض المال من احتياطياتها، ما سيقضي على احتياطات السعودية المالية خلال الأربع سنوات المقبلة على حد قول الصحيفة.
ورأت الصحيفة أن انهيار أسعار النفط ليس السبب الوحيد، فالمواجهة مع إيران للهيمنة على المنطقة أثر على الاقتصاد السعودي، وكانت آخر المواجهات غير المباشرة في اليمن، مضيفة إن العملية لا تسير على ما يرام من الناحية العسكرية، حيث تبين أن القدرة التشغيلية ضعيفة للجيش السعودي، الذي يحوز على 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا رقم قياسي عالمي.
السياسة الداخلية
قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية: السعودية استحوذت على الرقم الأعلى في عمليات الإعدام منذ عقدين، مؤكدة أن السلطات نفذت الحكم على 157 شخصًا في 2015م فقط، وتابعت الصحيفة البريطانية: إن منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرها بأن أحكام الإعدام في المملكة بلغت ذروتها هذا العام، موضحة أن تلك النسبة لم ترتفع سوى عام 1995م، حيث تم تسجيل 192 عقوبة إعدام.
وخصصت الصحيفة في وقتٍ سابق افتتاحيتها لتمثيل عدد من النساء للمرة الأولى في المجالس المحلية السعودية، مشيرة إلى أن السماح للمرأة بالترشح في الانتخابات بالسعودية خطوة صغيرة في طريق طويل، وتضيف الصحيفة إن السعودية مثال سيئ لمعاملة المرأة، حيث لا يسمح للمرأة بقيادة السيارات أو الخدمة في الجيش، وظلت محرومة من المشاركة في الانتخابات حتى عام 2011م حيث رفع الملك الراحل عبدالله الحظر عن مشاركتها في الانتخابات.
لماذا النقد الآن؟
رغم أن بعض الإعلام الغربي طالب بدعم السعودية فمثلًا صحيفة ديلي تليجراف في 6 يناير، قالت في السابق: على لندن حسم أمرها بالوقوف في صف السعودية، فقد أثبتت السعودية مرارًا أنها حليف فعال يمكن الاعتماد عليه، إلَّا أن حدة الانتقادات زادت بشكل واضح ضد السعودية مؤخرًا.
ويرى مراقبون أن هناك عوامل عديدة قد تبرر النبرة الهجومية للإعلام الغربي، منها إعدام الشيخ النمر، فصحيح أنه لا يشكل العلامة الفارقة في علاقات المملكة وسياستها، لكنه سلط الضوء على طريقة تعاطي المملكة مع الأزمات، خاصة أن المنطقة فيها ما يكفي من التوترات العربية والطائفية والعرقية، فتوقيت إعدام النمر لا يتناسب أبدًا مع الوضع الكارثي الراهن، وبعد تشكيك منظمة الأمم المتحدة في نزاهة محاكمة النمر وإعدامه ومنظمات حقوقية وإنسانية أخرى، بدأت الانتقادات للمملكة بالتزايد، حيث هاجمت صحيفتا الجارديان والإندبندنت، السعودية واعتبرتا أن طريقة تنفيذ أحكام الإعدام في المملكة تشبه تصرفات داعش، في قتله لضحاياه.
السعودية وإيران وداعش
هناك توجه عام عالمي بمحاربة داعش، ومن المعروف أن إيران لها دور كبير وخبرة على مدى السنوات الخمس في الأزمة السورية، مما يجعلها الدولة رقم واحد بمنطقة الشرق الأوسط لمحاربة داعش والسعودية، وعبر تسريبات إعلامية مازالت تدعم داعش، وهذا يشير إلى أنها مازالت غير مقتنعة بمحاربتها، مما يعود بالضرر على المجتمع الدولي نفسه، حيث تشير صحيفة الصنداي تليجراف إلى أن مقاتلي داعش في منبج ينتمون إلى 30 جنسية مختلفة، مضيفة إن البريطانيين يشكلون النسبة الأعلى من بين المقاتلين في منبج يليهم الألمان ثم الفرنسيون والسعوديون والجزائريون، فالمجتمع الدولي يريد أن يستغل إيران لمحاربة داعش، وعلى ما يبدو أن سياسة السعودية العدائية مع إيران لا تخدم مصالح المجتمع الدولي على الأقل في الوقت الراهن، مما قد يبرر انتقاد الدول العالمية بين الحين والآخر لسياسة السعودية.
السعودية واليمن
انتقدت العديد من المنظمات الدولية ومنها منظمة العفو الدولية العدوان السعودي على اليمن، الذي يرقى لجرائم الحرب، كما أعربت جماعات حقوق الإنسان البريطانية والبرلمان الأوروبي والأمم المتحدة عن قلقها من الحرب التي تشنها قوات تحالف العدوان في اليمن، مما دفع الكثيرين من نشطاء وحقوقيين غربيين للتعاطف مع اليمنيين، خصوصًا أن التقارير وصفت السعودية بأنها تتعمد استهداف مدارس الأطفال في اليمن بشكل متكرر، كما أن الحرب الدائرة في اليمن والتي قاربت السنة راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح.
السعودية والاقتصاد العالمي
قوة السعودية على مستوى السياسة العالمية تكمن في نفطها، وقد تتأثر هذه القوة بتراجع أسعار النفط، ووجود بدائل له على المستوى العالمي، فالنفط الصخري ليس كشفًا جديدًا، ففي نهاية القرن التاسع عشر بدأ بناء عدد من الحقول الخاصة باستخراج النفط الصخري في كل من أستراليا والبرازيل والولايات المتحدة، لكن اكتشاف النفط الخام في منطقة الشرق الأوسط جعل صناعة النفط الصخري تتوقف، ومع ارتفاع أسعار النفط الخام في القرن الحادي والعشرين أعاد بعض عمليات استخراج الغاز الصخري مرة أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا.
وعلى ما يبدو أن تخفيض السعودية لأسعار النفط ألحق بعض الضرر بقطاع النفط الصخري، فالحفاظ على الإنتاج أدى لتقويض ارتفاع إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي ونفط القطران الكندي، مما سبب لها إحراجًا بعد سنوات من حديث النصر عن «نهضة صناعة الطاقة الأمريكية»، حيث أدى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع شديد في الاستثمار بالفعل في الولايات المتحدة وكندا وجميع أنحاء العالم، فشركات التنقيب عن النفط قلصت خطط الحفر الخاصة بهم بشكل كبير.
تبعات السياسة السعودية الاقتصادية بدأت تؤثر على الاقتصاد العالمي، ففي وقتٍ سابق من العام الماضي قال مسؤول أمريكي: وزير الخزانة أبلغ وزير المالية الصيني بأنه من الضروري سماح بكين لعملتها بالتحرك صعودًا مثلما تتحرك هبوطًا، وتجنب أي إجراء لخفض قيمته لكسب ميزة تنافسية في التجارة العالمية، لكن سياسة السعودية الحالية صبت في صالح اليوان الصيني، حيث قال ديفيد هونر: أي جولة جديدة من الصراع مع خصمها إيران، وانخفاض أسعار البترول عالميًّا، سيؤديان إلى تآكل الاحتياطيات أيضاً بقدر كبير، وتأتي المخاوف بشأن ربط العملة السعودية بالدولار، مما تسبب في تخفيض الصين لقيمة عملتها في اضطرابات في الأسواق العالمية.

وحذر مصرف الاستثمار العالمي «جولدمان ساكس» من أن بكين قد تتخلى قريبًا عن دعمها لليوان، مما سيؤدي إلى المزيد في انخفاض العملة، وهذا ما لا ترغبه الولايات المتحدة، كما أن الاحتياطي السعودي وبسبب حروبها في المنطقة سينخفض، مما سينعكس سلبًا على حجم استثماراتها في أمريكا.
• كاتب صحفي مصري

قد يعجبك ايضا