مع دخول الحرب السورية عامها الخامس تزامنًا مع اشتداد المعارك على الجبهات المتعددة، وفي الساعات الأولى من 2015م فاجأ الرئيس السوري بشار الأسد جنوده وضباطه المتواجدين على خطوط المواجهة الأمامية بحي جوبر بالعاصمة دمشق، بالتواجد بينهم لتهنئتهم بحلول السنة الميلادية الجديدة، ووجه كلمة للجنود والضباط وأهاليهم، قائلًا: في رأس السنة تجتمع العائلات مع بعضها، لكن أنتم أردتم أن تكونوا هنا، لتحموا شعبكم ووطنكم تاركين أهلكم.
انعطافة دولية
أدركت بعض الدول الغربية أن سياسة التعنت ومحاولة فرض الرأي التي استمرت أكثر من أربع سنوات لن تفلح، لجأت دول مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا إلى تغيير سياستها تجاه سوريا هذا العام، فتنازلت تدريجيًّا من إشراك الأسد في المحادثات الدولية إلى التراجع عن شرط رحيله.
فرنسا التي شددت كثيرًا على ضرورة رحيل الرئيس السوري، تنازلت مؤخرًا عن بعض شروطها، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: رحيل الأسد ليس بالضرورة أن يحدث قبل الانتقال السياسي، وأعرب فابيوس عن عدم التمسك برحيل الأسد، حيث ألمح بإمكانية الاستعانة بقوات الجيش السوري لمقاتلة التنظيمات المتطرفة.
وتغير الموقف الأمريكي أيضًا، بعد أن صرح وزير خارجيتها جون كيري: من الممكن حمل الحكومة والمعارضة السوريتين على التعاون ضد تنظيم داعش، من دون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد”.
بريطانيا التي اعتادت التغني بأنه «لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية» جاء تصريح وزير خارجيتها فيليب هاموند مغايرًا لذللك، حيث قال: إن بلاده مستعدة لبقاء بشار الأسد رئيسًا في الفترة الانتقالية، وأكد أنه إذا كانت لندن تطالب سابقًا برحيل الأسد، فإنها اليوم قد توافق على تنفيذه مهام الرئيس السوري خلال فترة انتقالية.
الانعطافة الغربية جاءت في خضم تغير اللهجة الأوروبية أيضًا، خاصة في إسبانيا والنمسا وإيطاليا، حيث طالب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا بالتفاوض مع الرئيس السوري، وشاركه الموقف نظيره النمساوي سباستيان كورتز، فيما رفض رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينزي مشاركة بلاده في الغارات الجوية للتحالف الأمريكي، معتبرًا أن الغارت تؤتي نتائج عكسية، وامتدت مرونة المواقف الدولية إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي دعت إلى ضرورة إشراك الأسد في أي مفاوضات تهدف الى إنهاء النزاع في سوريا.
تدحرجت الكرة وامتدت المصالحة إلى دول عربية أيضًا، حيث كانت مصر صاحبة المبادرة من ناحية الدول العربية للمصالحة والتقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد، لتلتحق بها تونس والأردن وغيرها من الدول التي اقتنعت بالدور الأمريكي التآمري على سوريا.
وتطابقت مواقف رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي مع المواقف الخليجية والتركية والغربية، من حيث الدعوة لرحيل الرئيس السوري، انتهج هذه المرة لهجة جديدة عبر عنها خلال دعوته إلى مؤتمر مصالحة عربي بتونس، كما رحب بالنظام السوري، معتبرًا أنه لا عداوة شخصية له معه.
الأردن لحقت سريعًا بالركب العربي تجاه الأزمة السورية، حيث تلقت دمشق للمرة الأولى منذ خمسة أعوام برقيات تهنئة لمناسبة عيد الأضحى من قائد أركان الجيش الأردني مشعل الزبن، الذي يعتبر أعلى شخصية عسكرية في الأردن.
المفاوضات
لم تشهد الساحة السورية الكثير من التطورات الملموسة في طريق الحل السياسي للأزمة السورية، فرغم تعدد المفاوضات والاجتماعات وتغير أسمائها والمشاركين فيها وأماكن انعقادها، إلَّا أنها لم تحرز التقدم الذي يمكن أن يشعر به الشعب السوري، فلا يزال التقدم الوحيد الحاصل على الأرض هو تزايد أعداد القتلى والضحايا والمُهجَّرين.
ومع انطلاق العام الجديد وجهت روسيا الدعوة لثلاثين جهة سورية معارضة للمشاركة في مؤتمر موسكو، وتكون من جولتين، الأولى عقدت من 26 وحتى 29 يناير، والثانية انطلقت في بداية أبريل، وأطلقت موسكو على المحادثات مسمى «منتدى» على اعتبار أنه مجرد خطوة تمهيدية لإعادة قنوات الحوار بين ممثلي الحكومة والمعارضة السورية.
تباينت مواقف المعارضة حول المشاركة في المؤتمر بين موافق ومعارض، وعجزت عن لمّ شتاتها وتوحيد صفها، حيث أعلن الائتلاف السوري المعارض رفضه لأي حوار مع الحكومة السورية في موسكو، معتبرًا أن روسيا ليست طرفًا محايدًا، في حين تركت هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي الحرية لأفرادها باتخاذ القرار في هذا الموضوع، وفي المقابل لبى النظام السوري دعوة موسكو.
وكان مصير المؤتمر الفشل الذريع، حيث تمسك الوفد الحكومي بوجوب القضاء على الإرهاب أولًا في سوريا، رافضًا البحث في مصير الأسد، بينما أصرت المعارضة على تشكيل حكومة انتقالية من دون الأسد وأركان نظامه.
وفي 23 أكتوبر تجددت المحاولات الدولية لإحياء المحادثات السياسية حول سوريا، حيث انعقد لقاء رباعي بين وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية في فيينا حول سوريا، إلَّا أن المفاوضين لم يحققوا أي اختراق في الجلسة الأولى، وبناء على ذلك دعا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى ضرورة توسيع دائرة المشاركين في المباحثات السورية بإشراك الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ودول المنطقة، وفي مقدمتها مصر وإيران، واعتبر لافروف أن عدد المشاركين يجب أن يتراوح بين 10 و12 بلدًا.
وفي 29 أكتوبر انعقدت الجولة الثانية من اجتماع فيينا، بحضور وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والسعودية وتركيا والإمارات وقطر والأردن وألمانيا وفرنسا ومصر وإيطاليا وبريطانيا، وإيران لأول مرة.
وفي هذه الجولة اتفق المشاركون على عقد لقاء جديد خلال شهر؛ لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية في سوريا، وقال البيان: إن ممثلي الدول الـ17 إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، اتفقوا خلال لقاء فيينا على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة أشهر، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا، مع استمرار الخلاف على مصير بشار الأسد.
مؤتمر الرياض
وعادت السعودية إلى الحراك السياسي السوري، من باب المعارضة السورية المشتتة، بهدف لم شملها والتحدث بلسانها، فدعت المملكة 100 شخصية معارضة، أبرزهم ممثلون للائتلاف الوطني لقوى المعارضة، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وممثلون عن فصائل مسلحة تقاتل في مختلف الجبهات السورية، أبرزها «أحرار الشام» التي تقاتل إلى جانب «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم القاعدة، و«الجبهة الجنوبية» إضافة إلى «جيش الإسلام».
ولاقى الاجتماع ترحيبًا أمريكيًّا في مقابل رفض روسي وإيراني، حيث اعترضت طهران على تفرد السعودية بتنظيم الاجتماع وتحديد عدد المدعويين ومكان عقد الاجتماع واختيار ممثيلن عن المعارضة السورية حسب أهوائها السياسية، وبعد حذر سرعان ما أعلنت موسكو رفضها المؤتمر، باعتباره محاولة من لاحتكار السعودية تمثيل معارضي نظام الرئيس الأسد.
وقد وقعت بعض الانقسامات ونقاط الخلاف في صفوف الشخصيات المعارضة المدعوة، إلى الفشل الحتمي للمؤتمر، إضافة إلى تعمد السعودية إقصاء بعض الرمز الأساسية في الأزمة السورية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، الذي يعتبر الممثل الأكبر لأكراد سوريا، واعتراض العديد من فصائل المعارضة على توجيه الدعوة لحركة أحرار الشام، مما دفع الأمين العام لتيار «قمح» السوري المعارض هيثم مناع، إلى الانسحاب من المؤتمر، معتبرًا أنه يجمع ممثلين لفصائل متهمة بالإرهاب.
وأنهى مؤتمر الرياض أعماله بإصدار بيان ختامي لا جديد فيه، يعكس تشتت المعارضة السورية، حيث أكد المجتمعون في البيان تمسكهم بوحدة الأراضي السورية وإيمانهم بمدنية الدولة وسيادتها على الأراضي كافة، والتزامهم بالديمقراطية من خلال نظام تعددي يمثل أطياف الشعب السوري كافة، والحفاظ على مؤسسات الدولة، مع ضرورة إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية، ومؤسسات الدولة الشرعية؛ ليختارها الشعب السوري عبر انتخابات حرة ونزيهة؛ لتكون الجهة الوحيدة التي تحتكر حق حيازة السلاح”.
* نقلاً عن البديل المصري