في العيد الفضي لـ 22 مايو 1990م
من المحزن والمؤلم أن تمر الذكرى الخامسة والعشرون لاستعادة وحدة الوطن في ظروف هي الأسوأ في كل ما مر بهذه البلاد من تاريخها القديم والحديث. ورغم كل ذلك فقد كان علينا جميعا أن نتوقف لنتذكر أنقى وأنبل صفحة في تاريخنا وأن نحني رؤوسنا تقديرا وإجلالا لتلك الساعات التي شهدت ما كان جميع اليمنيين ومعهم أشقاؤهم العرب يعدونه بداية جديدة ليمن جديد انفك من قيد التشطير ونفض غبار عقود من الاحتلال والحروب والانقسامات التي لم يصنعها الأعداء وحدهم بل شاركهم فيها كثير من الحالمين بالمناصب والباحثين عن الحكم ولو على جثة الوطن أو على أجزاء من تلك الجثة. ومن هنا تأتي أهمية الاحتفاء بهذا اليوم العظيم وتعميق صورته الزاهية في نفوس المواطنين وفي مشاعر الجيل الجديد الذي أسعده الحظ فلم يفتح عينيه على رؤية بلاده تحت الاحتلال أو التشطير ووجد نفسه في وطن موحد خال من حراب الأجنبي والسلطات المنقسمة على نفسها في الوطن الواحد.
إن اللحظة الراهنة بكل قتامتها وبشاعتها تفرض علينا أكثر من أي وقت مضى أن نتمسك بهذا الإنجاز العظيم الذي تحقق في الثاني والعشرين من مايو 1990م وأن نعتبره –كما هو في الواقع- مكسبا وطنيا يفوق كل المكاسب التي تحققت لهذا الشعب بعد قيام ثورته المجيدة 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م. وأن يعمل كل مواطن منا ما يستطيع للمحافظة على هذا الحلم والتوقف عن عمله كل ما يخدش صورته أو يسيء إلى حقيقته الجوهرية ويفتح ثغرة يتسلل منها دعاة التجزئة والتشرنق وأعداء الوحدة من الذين خافوا بعد أن رأوا اليمن يكبر وتتسع إمكانيات تطويره وتحديثه. وما يجدر فهمه ووعيه بإمعان أن الوحدة ليست ملكا لفلان أو علان من الناس وإنما هي ملك الشعب كله وهو صانعها والدافع إليها هي ملك كل فرد في هذا الوطن بوصفها البديل الطبيعي عن التناحر والحروب والاقتتال وبوصفها الطريق الوحيد والممكن للانعتاق والأمل وبناء الحياة الجديدة وتجاوز كل مخلفات الماضي وانكساراته.
ومطلوب من كل مواطن تقله هذه الأرض أن يفكر بعقله وينظر من خلال الواقع وما سيصدر عنه من تحولات أن هذا الشعب الذي يحكم في أهم مضيق دولي ويتمتع بهذا الامتداد البحري والشواطئ الغنية والجزر المدهشة هو شعب محظوظ بكل ما تعنيه كلمة الحظ من قدرة على تجاوز التخلف والفقر الموروث. كما أن المحافظة على هذا النوع الجغرافي والثقافي والاقتصادي يتطلب تعاونا وثيقا من كل أبناء هذا الشعب. ولا يصح بل لا يجوز أن يتخذ البعض مما يحدث الآن على الساحة فرصة للهروب أو التخاذل . وهناك إجماع على أن الظروف الراهنة رغم قسوتها ومرارتها وما خلفته من آثار ومؤثرات مادية ونفسية هي الوقت الذي يثبت فيه المواطنون الجادون المخلصون صدق مواقفهم ونقاء انتماءاتهم. والوطن أي وطن هو بأبنائه وارتفاعه أو انخفاضه انعكاس حقيقي لمواقفهم وما يتمتعون به من قدرات على مواجهة التحولات العنيفة وتجاوز آثارها السلبية.
وهناك ما يشبه اليقين إن لم يكن هو اليقين ذاته أن مواطني هذا البلد الواحد يؤمنون بأن المحنة التي تمر بها البلاد ستكون دافعا لمزيد من الترابط الأخوي والإحساس بالمواطنة المتساوية ونبذ الخلافات والعمل على تصحيح الأخطاء والمتشائمون الذين يرون عكس ذلك ما هم إلا فئة قليلة طافية على سطح الأحداث ولا تشكل حضورا حقيقيا وفاعلا وسلبيتها وتشاؤمها يجعلها خارج الحسابات الفاعلة والمؤثرة . والأيام وحدها كفيلة بأن تثبت مصداقية هذا القول وانطلاقه من قلب الواقع وضمير الناس.
الشاعر عبدالواحد عمران في ديوان “من ذاكرة العطر”:
عبدالواحد شاعر كبير وأصيل بكل ما تعنيه الكلمتان من دلالات التمكن في الإبداع وارتفاع مستوى الموهبة. ظهر منذ بداياته الأولى شاعرا مكتملا يتعامل مع الشعر لغة وتركيبا كما لو كان ولد معه وبه. وفي ديوانه هذا الكثير الكثير من عطر الشعر وعطر الذاكرة. وكما يبدو معنيا بقضايا الوطن وهمومه فإنه يبدو كذلك شديد العناية بالشعر بوصفه فنا بالدرجة الأولى. الديوان من منشورات سلسلة إبداعات عربية وزارة الثقافة حكومة الشارقة الإمارات العربية 2015م .
تأملات شعرية:
آه يا وطني
آه يا سقف روحي
سلام عليك
وأنت تواجه حربين:
حربا مع بعض أبنائك الأغبياء
وحربا مع كل أعدائك الحاقدين.
سلام عليك
تحملت ما لا تطيق الرجالú
ولا تطيق الجبال
وكنت وما زلت
أنت القوي الأمين.