العدوان السعودي ويقظة النسق التاريخي اليمني

ربما كان من قوانين التدافع في سنن الله أن يحدث العدوان السعودي على اليمن ليختم مرحلة ويبشر ببزوع أخرى إذ أن كل المؤشرات والرموز التي تبعثها الأحداث من هنا وهناك تقول بيقظة الذات اليمنية الحميرية من نقطة غروبها وهي ذات كما تدل الوقائع التاريخية تمتاز بالأنفة والبأس الشديد وبالقوة القادرة على مقارعة عوامل الإنكسار والعصية على الذوبان في الآخر اعتزازا بقيمتها وبمعناها.
وفي مقابل تلك الذات الحميرية ذات السبئية هي في طور الغروب كما تقول المؤشرات الموضوعية والرموز ويقول قانون التاريخ أيضا والذات السبئية ذات قادرة على التكيف والتماهي مع الآخر ولا تجد تكاملها وقيمتها إلا في الآخر وهي تعيش حالة من حالات الفصل في السياق الحضاري والثقافي وتشعر بقيمة الآخر الوهمية وبنقصها وتكون حساباتها وتفاعلاتها مع الوقائع والأحداث غير دقيقة وغير واعية ومبنية على قاعدة الشعور المسبق بالهزيمة ولذلك تخونها كل الأحداث والوقائع.
والذات الحميرية تقول بالوصل لا الفصل الحضاري ويكون تفاعلها مع الأحداث والوقائع تفاعلا واعيا ومدركا لتموجاتها ومناخاتها ومن العجائب أن الرقعة الجغرافية التي شكلت الامتداد التاريخي للحميرية وكانت هي أرومتها الأولى في التكون والبزوغ هي الرقعة ذاتها التي تفاعلت مع الثقافة التوراتية والرقعة الجغرافية التي شكلت الامتداد التاريخي للسبئية.
هي ذات الرقعة التي تفاعلت مع الثقافة الإنجيلية وكان الصراع بين الثقافتين في التاريخ القديم والذي وصل ذروة كماله في حادثة الأخدود في نجران هو الامتداد الطبيعي للصراع الذي ظل يتوالى في مصفوفة منتظمة في السياق التاريخي وعبر الحقب الزمانية المختلفة بعد أن تناغمت كل رقعة جغرافية مع البعد الثقافي الجديد الذي حمل لواءه الإسلام وتمايز إلى فرق وطوائف ومذاهب.
لقد ظل الصراع بين بعدين حضاريين تاريخيين هما البعد الحميري والبعد السبئي مع المحمولات الثقافية والعقائدية والأخلاقية التراكمية لكل بعد وما يكاد يمضي زمن حتى يبزغ لكلا البعدين وفي السياق التاريخي لمن أمعن التأمل يجد أن البعد الحميري الحضاري الحميري له مركزية ثابتة لا يكاد يفقدها وقد يفقد حكم اليمن كله ولكنه يظل يحتفظ بمركزيته وهو في مجمل الأحوال إذا فقد سيطرته على اليمن الطبيعي لا يتجاوز ذلك الفقدان عقودا ستة لا تكاد تزيد بل تنقص وفي السياق نفسه لا تقول الأحداث وتقلبات الأحوال إن زمن هيمنته يتجاوز زمن فقدانه بل يقول بالتوازي بين الحالين.
ومع توالي العدوان وتآزره وتعاضده مع القوى الوطنية تمايز تحت ظلاله البعدان الحضاريان فذهب البعد السبئي إلى خيار التماهي والتكامل والمقاومة التاريخية بمساندة الآخر وهي ذات العقدة اليزنية الضاربة بجذرها في العمق الحضاري والثقافي والتاريخي للبعد الحضاري السبئي وكان البعد الحضاري الحميري هو التعبير الأمثل عن البأس والقوة والإصرار على الكينونة وعلى البقاء وعلى الاعتزاز بالذات وبقيمتها ومعناها على الندية مع الآخر لا التماهي في مشروعه وهو يمثل حالة من حالات الوصل الحضاري وهذا البعد له خياران هما.. منذو يوسف ذو نواس وحتى اللحظة الحضارية وهما خيار الانتصار أو الموت ولذلك تقول لنا الرموز والإشارات التي تبعثها إرادات الناس وخياراتهم في الميدان إن قدرة الانتصار وإراداته هي المحك الذي يمكن التحديد من خلاله مضمون التوافق مع السياق التاريخي لهذا الفصيل أو ذاك من عدمه.
ومن خلال إمعان النظر في قيم المجتمع التاريخي وتراكماتها والمقارنة مع قيم المجتمع الحديث وقيم الجماعات المسيطرة فيه نتمكن من تحديد السياقات والمسارات وقد أصبحت الصورة في اليمن أكثر وضوحا وجلاء فالذين تداعوا إلى السعودية وأعلنوا من قبل ذلك تأييد العدوان وهم الآن في صفه ويمثلون كل أدواته في اليمن شمالا وجنوبا امتازوا بقيم ذات صفات معينة ورد ذكرها في السياق والذين يقاومون الطغيان السعودي وصلفه وعقليته التدميرية امتازوا بقيم ذات صفات معينة ورد ذكرها في السياق أيضا.
والنتيجة من كل ذلك أن الخط السبئي اكتملت دورته التاريخية وهو يشهد غروبا وستكون صناعة المرحلة القادمة من نصيب الخط الحميري وهو يشهد بزوغا متسارعا والعدوان السعودي الذي تشهده اليمن اليوم لا يتجاوز يقظة النسق التاريخي اليمني وهو يقوم بذات الدور الذي قام به في عقد الستينيات من القرن الماضي ويقظة النسق التاريخي الحميري إيذان بوظيفة سياسية مزدوجة ستكون متغايرة كل التغاير عن العقود الماضية وأكاد أقرأ واقعا جيو سياسيا جديدا يبزغ من بين غيوم العدوان.

قد يعجبك ايضا