اليمن.. تقطيع أذرع الأخطبوط
عبد المنعم علي عيسى
منذ أن أعلنت الرياض عاصمة للمملكة السعودية التي أسسها عبد العزيز آل سعود في العام 1932م لم تشعر هذه الأخيرة بحالة تخل إقليمي ودولي كما هو حاصل الآن شكلت عملية تسويق الدمار والدماء حالة بنيوية ومنهجا لحكام المملكة على مر مراحلها إيمانا منهم بأن ذاك الأمر كفيل بإبعاد شبح الحرب الداخلية وكذلك بإضعاف خصوم الخارج الأمر الذي يؤدي –بحسب تلك النظرة- إلى تعزيز الدفاعات السعودية في مواجهة المحيط الذي بات يرى فيها عقبة كأداء أمام مساره للحصول على الأمن والاستقرار ومواكبة العصر في الآن ذاته.
عملت الرياض على ضرب الوحدة السورية- المصرية (1961-1958م) ومن ثم استغلت خطأ تاريخيا ارتكبه جمال عبد الناصر بإرسال جيشه «ثلث الجيش المصري تماما» إلى اليمن عام 1962م الأمر الذي جعل منه دريئة ثابتة أمام المجموعات الوهابية التكفيرية وكذلك تلك التي تمولها كانت تلك مصيدة جر إليها عبد الناصر بعد أن قامت كل من الرياض وتل أبيب بهندسة بنائها لكي تعود بالنتائج المرجوة منها ومن ثم دعمت- ومولت- حرب صدام حسين ضد إيران 1988-1980م التي لم تفض إلى أي نتائج تذكر سوى إلى تدمير البلدين لكن ذلك كان مطلبا سعوديا في الدرجة الأولى كما تبين فيما بعد وعندما عبرت الدبابات العراقية الحدود الكويتية في 2 آب 1990م وارتعدت فرائص آل سعود سعت الرياض إلى تمويل تدمير العراق الأمر الذي تحقق جزئيا لها في 21 كانون الثاني 1991م.
على حدودها الجنوبية شكلت الوحدة ما بين شطري اليمن 22 أيار 1990م عاملا منغصا للعرش السعودي في الرياض وعليه فقد سعت هذه الأخيرة إلى المزيد من الشحن والتحريض فيما بين المتناقضات اليمنية وصولا إلى انفجار الداخل اليمني في العام 1994م إذ شكلت تلك الحرب الأخيرة موطئ قدم سعودي عملت الرياض على توسعته وصولا إلى ما كان الوضع اليمني عليه قبيل شباط 2011م.
كذلك كان للبنان نصيب أكبر من الكيدية السعودية فقد كانت كلمات سعود الفيصل ظهيرة الثاني عشر من تموز 2006م (العدوان الإسرائيلي كان قد بدأ في الساعة الثامنة من ذلك اليوم) تفضح الطوية السعودية عندما ذهب إلى تحميل حزب الله مسؤولية الحرب حتى ما بعد صدور القرار «1701» 2006/8/12م فإن الفيصل قال: إن القرار «1701» ليس كافيا لكن السعودية لم تقبل به.
منذ سقوط بغداد في العام 2003م عملت الرياض على الاستثمار في الدم العراقي في محاولة لخلق «عراق جديد» يكون بحسب المقاسات السعودية المرغوبة تزامن ذلك الأمر مع سعي سعودي دموي على جبهة أخرى قريبة فمنذ أن أعلنت طهران استئناف برنامجها النووي السلمي آب 2005م انطلق الفحيح السعودي داعيا الغرب إلى توجيه ضربة عسكرية لهذه الأخيرة تشفي غليل دعاتها مع من يدور في فلكهم ليستمر ذلك المسعى طويلا دونما تحقيق غاياته وليتقاطع في الآن ذاته مع نيران «الربيع العربي» التي أخذت تحرق كل شيء وفي كل حدب وصوب على امتداد الجغرافيا العربية لتعمد «الرياض» إلى تطيير «أسراب نحلها» فوق حقول الأزهار العربية بهدف جني خوابي العسل منها حتى ولوكانت هذه الأخيرة تتطلب بركا من الدماء وتلالا من الجماجم.
لوحظت أذرع الاخطبوط السعودي في مصر وفي العراق وفي لبنان وليبيا والسودان لكن أشد تلك الأذرع كان ظاهرا في اليمن ربما على خلفية الوصية التي تركها المؤسس عبد العزيز لأولاده من بعده «خيركم وشركم من اليمن» هذا إضافة إلى تاريخ طويل فيما بين البلدين كان أبرز ما فيه سياسة «القضم الجغرافي» التي اتبعتها الرياض تجاه الجغرافيا اليمنية,/ ولليمن حقوق تاريخية في عسير ونجران وجيزان التي ضمها عبد العزيز بالقوة عام 1932م ومن ثم عمل على تثبيت ضمها عبر الحرب التي شنها على اليمن في العام 1934م وعلى الرغم من الوساطة العربية التي أفضت إلى اتفاق الطائف 19 أيار 1934م والذي نصت بنوده على أن تلك المناطق ستبقى تحت ظل العرش السعودي مدة عشرين عاما على أن تعود لليمن بعد انقضاء المدة السابقة أي في العام 1954 لكن ذلك لم يحدث بل على العكس من ذلك حيث لم تزل الرياض تمارس سياسة القضم نفسها إذ كشفت وثيقة سربها موقع «ويكليكس» صادرة عن السفارة الأميركية في صنعاء «18حزيران 2008» وفيها يقول كاتب الوثيقة: «إن أحد الدبلوماسيين البريطانيين في اليمن كان قد أبلغه أن السعودية ترغب في إنشاء خط أنابيب نفطي تمتلكه هي وتشغله وتحميه على أن يكون ممتدا من حضرموت إلى المرفأ الواقع في خليج عدن مرورا بالخليج العربي ومضيق هرمز» وتوضح تلك الوثيقة أن الرياض ساعية في اتجاه السيطرة على حضرموت التي تمثل ثلث مساحة اليمن بعد أن احتلت عسير ونجران وجيزان بمساحة تزيد على 233822