أطفال يعشقون الشهادة

رغد الطفلة البريئة ابنة الأعوام الخمسة قامت من أمام التلفزيون غاضبة عندما انقطعت الكهرباء أخذت دميتها مكرهة واستلقت على الفراش في تلك الأثناء بدأت سلسلة العدوان الهمجي لطائرات تحلق في السماء بكثافة وأنوار الصواريخ تتلامع تضيء الغرفة والأرواح البريئة تحلق صاعدة نحو السماء تشكو ظلامة من تعتبرهم الطفلة ذوي القربى, خافت الأم على ابنتها هرعت إليها تقول: لا تنامي هنا يا ابنتي, نظرت إليها الطفلة بابتسامة بريئة اختلط فيها الخوف مع التحدي وقالت بلهجة طفولية: لا تخافي يا أمي قد شهدت وهللت.
عند سماع ما جرى بين الأم وابنتها عادت إلى ذهني مشاهد البشاعة ومحاولات القصف البربري المصحوب بأضرار على الإيغال في دماء الابرياء حدثت نفسي قائلا: الكارثة أكبر من أي احتمال.
أشلاء الأطفال والنساء والكهول والشباب ألم توقظ لدى أي أحاسيس للتعاطف والرأفة عندها فقط ايقنت أن الطفلة الصغيرة تعي ما تقول وأنها مشروع شهادة في ظل تعاقب الجرائم المروعة وكل ما تشاهده على شاشات التلفزيون من جرائم يندى لها الجبين.
رسخ في أعماقها فكرة قدوم الموت في أي لحظة طالما أن الحرب القذرة مستمرة وأن من يقودون الطائرات أو يقذفون الصواريخ هدفهم الدمار والإبادة والفناء لكل شيء وكأنهم تجردوا من أي صفات إنسانية.
الموضوع حيرني كثيرا لكن الحيرة سرعان ما ذهبت بعد أن تصفحت عددا من الفتاوى الظالمة وما أثارته من عداوات وأمشاج طائفية فذرة عندها فقط أيقنت أن مثل هذه الفتاوى هي التي حولت هؤلاء الناس إلى هياكل بشرية بلا أحاسيس ولا مشاعر لذلك فإنهم حينما يمارسون القتل لا يضطربون لأن ضمائرهم ماتت صعب أن تستيقظ أو يرف لها جفن لأنهم عندما يقترفون أبشع الجرائم والأفعال الخسيسة يعتبرون أنفسهم في مقام التقرب إلى الله والانتصار للإسلام.
وأنا أشاهد الأم رأيتها حائرة الدموع تغرق وجهها كلام ابنتها أثار لديها الكثير من الشجون وتعاضد مع الوقائع التي أدمت قلبها وأثارت كل الأحزان لديها ثم ما لبثت أن تحولت إلى سؤال عريض قذفته في وجه الأب بغضب وانفعال:
مش معقول هل هؤلاء بشر ¿¿ وإن كانوا بشرا هل انتزعت الرحمة من نفوسهم ¿¿.
السؤال حير الأب ظل يفكر في الإجابة ما لبثت أن هبت رياح عاتية ذرت السؤال في السماء مفرداته حلقت في الفضاء تستجدي الإجابة والأم واقفة في حيرة قلبها يخفق من شدة القلق والخوف على أبنائها وعلى وجه الخصوص أصغرهم.
فاقت من شبه غيبوبة على صوت الطائرات المحلقة في سماء صنعاء أضافت سؤالا آخر: لماذا صنعاء بالذات ¿¿ هل لأنها قبلة التاريخ الإنساني والمعقل الأول للحضارة ¿¿.
ارتبكت لم تنتظر الإجابة حمم وشظايا الصواريخ المتلامعة في المساء أيقظت لديها كل أحاسيس الكراهية والمقت لهذا الإنسان المتغطرس بعد أن غادرت الطائرات سماء عادت تلح على ذهنها رغبة البحث عن إجابة للأسئلة بلا جدوى.
ضمت الطفلة الصغيرة إلى صدرها وهي تنشج بأسلوب حزين النشيج قطع أوصال الصمت المهيب الذي أعقب رحيل الطائرات واختلط مع صرخات المسعفين لضحايا الغارة الجديدة وأصوات سيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى إلى المستشفيات, الموقف اجبر الابن الأكبر على اتخاذ موقف الخاشع المتأمل لما يجري حوله.
حالة والدته البائسة أيقظت فيه الإحساس بكل أنواع الظلم الاجتماعي تبرع بالإجابة بصلابة وثبات:
لا تخافي يا أمي لا يجب أن نخاف بعد اليوم عناصر الإجرام  والإرهاب تحفر نهايتها بيدها مهما تمادت في المكر والغدر والوحشية سنقول: لهم يا مجرمو الحرب يا قتلة الأطفال أجرامكم سيتحول إلى غل وحقد وكراهية يوحد إرادتنا ويحولنا إلى شحنات متفجرة تطهر الأرض وقبلة المسلمين من هذه الجرثومة الخبيثة وإن غدا لناظره قريب.
ابتسمت الأم ونامت قريرة العين…¿¿

قد يعجبك ايضا