أربع عجاف.. وحوار ربيع قتل الفصول الأربعة
جاء الربيع بزهره وعطره وعلى غير العادة طال مكوثه عاما كاملا لكنه غادر ديار الحكمة اليمانية ومنازل قوم هم: ” أرق قلوبا وألين أفئدة”.. غادرها دون أن يستنشق أهلها عرف وروده وأريج رياضه ولم ينعموا بألوان وزهو طيوره وعصافيره التي هي الأخرى لم تنعم برائحة هواء هذا الربيع الفاتن الجميل لقد أحاطته الأوهام واستوطنته الأحلام واستبدل مشعلو فتيله نشوة الحياة برائحة البارود ولا شيء أفدح من رائحة البارود..
وبعد الربيع جاء الصيف بقيضه وشمسه التي تعد رمز إخصابه ومعالم بذاره وعلانه و”صعيفه” حصاده وإدرار الزرع والضرع.. وعلى غير العادة ورغم أنه أعجف عاما كاملا وأرداه صريع الأمان إلا أن عمره كان أقصر من غروره بنشوته الربيعية ليغادر ديار الحكيم بن زايد ولم يزرع بها قاع أو واد ولم يحصد لها حقل لقد استبدل عشاق الدمار والفساد لون البن اليانع بالدم القاني وحقول الذرة بألغام السياسة ومهاجل معالمه الزراعية بالحوارات المفخخة..
الخريف خيم بعده بتداعياته وهشيم أوراقه المتساقطة على جثة الصيف الذي غرز أشواكه في خصر الوطن وإنسانه الحالم على طاولة الحوار ليغادر الخريف ديار امرىء القيس بن حجر الكندي ولم ينصب له أمر ولم يسق خمرا فأمره وخمره وعقله وسيفه رهن موفمبيك ورهن قرار رسل السلام السياسي الذي يبدأ بالحديث المعسول وينتهي بالمصالح الدولية الكبرى ولو على دماء الشعوب. (اليوم وغدا وبعد غد حوار)..
وأتى الشتاء بقسوته وبرود أحاسيسه القاتلة التي أردت مشاتل الأمل وجمدت طاولة (الخوار) واستطال هذا الفصل القاسي عاما لم ينته بعد وكما لو أنه لا يريد أن يغادر ديار “سبأ وحمير وذي ريدان وحضرموت ويمنت ومنت” بل يريد أن يستمر بصقيعه مخلفا أنينا وألما وارتعاش ما تبقى من قوى الشعب المطحون تحت رحى الصراع السلطوي والمشنوق بحبل غسيل السياسة.. ولا زال مصرا على المكوث بعد تطاول على البند الأول من استحقاقات المواطن المعيشية..
بعد كل هذا .. اليمنيون-فقط- هم المميزون بحوار ربيع قتل الفصول الأربعة بعد أن حول كل فصل إلى عام فحصدنا أربع سنوات عجاف.. لا موارد لا نفط لا كهرباء لا أمان لا سلام لا استقرار.. كل هذه المفردات تقتل في كل لحظة بينما الساسة يتلون نتائج حوار موفمبيك التي هلل لها العالم وغرد وسبح إعجابا وطربا باليمنيين الذين تحاوروا أربع سنوات منجزين بذلك أهم اتفاق تاريخ اليمن- من العيار السخيف- وهو نقل الحوار إلى عاصمة أخرى.