هل تنهزم الهوية الحضارية في اليمن¿¿
لم تشهد اليمن في تاريخها المعاصر تكالب الأمم عليها كما تشهده في الزمن الذي نشهد تموجات انفعالاته وتفاعلاته في كل لحظة وفي كل حين, كما أننا لم نكن نتوقع أن تجاهر بعض الدول بعدائها لهذا البلد, وتحشد العالم بصورة هستيرية وغير مدركة للعواقب كما تفعل الجارة الشقيقة التي ما فتأت توظف كل إمكاناتها المادية والإعلامية والدبلوماسية والسياسية لمعاقبة اليمن وتنمية عوامل حالة عدم الاستقرار فيه.
ليس من مصلحة السعودية مجاهرة اليمن شعبا ودولة بتلك الصورة السافرة فالعلاقات الجيو سياسية تفرض تعاملا حضاريا يعزز من عوامل الاستقرار لا تعاملا استغراقيا يجعل من الهيمنة سبيلا لبلوغ غاياته وأهدافه ذات الأبعاد الإقليمية والأهداف السياسية فالقضية التي تطفو على السطح قضية شائكة ولا يمكنها التحقق بذات الأساليب القديمة التي ترسخت في أذهان قادة المملكة في العقود الثلاثة التي سلفت من الزمان, لقد أضحى اليمن الذي كان قبل عام 2011م هو غير اليمن الذي عصرته الأحداث في الأعوام التي تلت 2011م فكانت نسخته التي عبرت عنها ثورته الحديثة في 21 سبتمبر 2014م أكثر تحررا وأكثر وعيا وأكثر استلهاما لمقومات البقاء واستنهاضا لأسباب الوجود ذي القيمة والمعنى.
لقد أضحت العلاقات بين اليمن والسعودية علاقات بقاء وقد تجاوزت الأطر الدبلوماسية وأطر الجوار والمصالح المشتركة لتنتج صراعا وجوديا سيمتد أثره إلى العمق السعودي ليحدث زلزالا عميقا في البناءات الاجتماعية والثقافية ولن تستقر السعودية وفي المقابل لن يستقر اليمن ومثل ذلك الأثر لم يدركه قادة المملكة فتسرع سلمان وطيشه هدم السياجات الآمنة التي كرستها حكمة عبدالله في تعاطيه مع المشكل اليمني, ويبدو من البدايات الأولى للملك سلمان أنه يحمل معاول الهدم ليكتب البدايات الأولى لحكم آل سعود في أرض نجد والحجاز وعسير للانهيار ومن ثم النهاية وثمة إشارات عند دهماء الناس وعامتهم تتحدث عن تلك النهاية وترى في سلمان آخر ملوك آل سعود وتلك الإشارات أكثر تداولا في المملكة منها في اليمن وقد سمعت تنفيذا لها في القنوات الفضائية كقناة “سيوف” التي تبث بين الفينة والأخرى محاضرات تنقد تلك المعتقدات الشعبية وتقول ببطلانها ورمزية مثل ذلك تومئ إلى الخوف الذي بدا جليا وواضحا من خلال التعاطي الهستيري مع الواقع اليمني ومن خلال التعليل الثقافي والعقدي الذي يبدو عليه خطاب القنوات الفضائية الموجهة “كوصال” ومن خلال الحد من تأثير تلك الإشارات بخطاب ثقافي يقلل من أهمية القراءات المستقبلية كما تبدو عليه القنوات الشعبية والجماهيرية كما سلفت الإشارة إلى بعضها.
لقد كتبت قبل زمن ليس بالطويل عددا من المقالات عن اليمن والسعودية وتحدثت عن الطبيعة الجيو سياسية بين البلدين وعن إمكانية التكامل وتعزيز القدرات والطاقات وبما يعزز من روح الأخوة وعوامل السلام ويعزز من التفاعل الندي وكذا الإيجابي وبحيث تتحقق وتحفظ المصالح المشتركة.. لكن تظل الكتابات والآراء هي العبث الذي نمارسه ولا يمكن لكل هؤلاء الساسة من العرب التفاعل معها والوقوف أمامها إلا إذا جاءت من الغرب مغلفة بعبارات المصلحة فنحن في بلداننا لا نعترف لأحد منا بفضل ونكاد أن نتعامل بشعور التعالي والتقليل من قيمة ما يطرح أو يقال.
لقد بدأ الشارع اليمني بالتحرك وبدأت ردود الفعل الجماهيرية وبدأت الأنشطة المختلفة والفعاليات المركزة وعما قليل تسمع المملكة حركة مقاومة لم تعهدها وسيكون لها أثرها فالقضية اليمنية قد تجاوزت الماضي ومفرداته وتجاوزت كل علائقة كما أن يقظة الهويات المحلية والهوية الحضارية والهوية التاريخية في الذات الوطنية سيضرب سورا من العزلة على القوى السياسية التي لا تجد نفسها إلا في أحضان المملكة طمعا في مالها وفي السياق ذاته ستكسر طوق الهيمنة الإقليمية, وتستعيد وعيها بذاتها واستعادتها لوعيها بذاتها سيجعل منها قوة في مقابل ما يشاكلها وحينها ستعمد إلى تفجير طاقات الذات وتوظيفها في تحقيق القيمة الوجودية, وأمام مثل ذلك ستكون هناك معادلة جديدة في التفاعلات الكيمائية السياسية والثقافية والاجتماعية ومثل ذلك سيترك أثرا على البناءات المختلفة في المملكة ولا سبيل لها في تجاوز ذلك الأثر إلا بإعادة صياغة منظومة تفاعلها العلائقي مع اليمن.