تجربة أدبية مكتملة الملامح
فايز محيي الدين البخاري

من خلال جولة سريعة في أسماء إصداراته الأدبية التي تنوعتú بين الرواية والمسرحية والقصة القصيرة نستطيع أنú نستشرف البعúد الوطني في أعماله ونلج إلى أعماقها من خلال العنوان.
وكما هو معروف أن العنوان في النص الأدبي عبارة عن دالة قوية تبئ عن المضمون وفي الوقتö نفسه قد تشي من خلال مفرداتها القليلة – بما يشبه الاختزال للنص – بالفكرة الأساسية التي ينبني عليها النص أو المهيمنة التي تدور إحداثيات النص حوله.
ولعلنا لا نبالغ إنú قلنا عن ما أصدره الأستاذ عبدالله عباس الإرياني حتى الآن تجربة أدبية متكاملة الملامح ليس لغزارة إنتاجه ولا لتنوع الفنون التي يكتب بها بقدر ما هو تنوع في المضامين. فضلا عن معرفته اليقينية وإدراكه المسبق لما يريد أنú يوصله من خلال نصه الأدبي.
فهو ينطلق من إيمان مطلق بقضية حتمية لا تزال تتسيد كل أعماله وتسيطر على مختلف كتاباته بما يشي للمتلقي أن هذا الأديب لم يخلق إلا لهذه القضية.
والقارئ الحصيف يدرöك مöن أول وهلة معالم هذه القضية التي وسمتú تجربة الإرياني وأصبحتú لصيقة بأعماله ولا يكاد ينفك عنها. وإنها لشرف كبير لمن يتبناها.. إنها القضية الوطنية بكل أبعادها وتداخلاتها. فعبدالله عباس الإرياني مصاب بداءö الوطنية حتى النخاع. وفي حين يحاول الكثير من الأدباء التنوع في كتاباتهم التي تطرق الرومانسية والعلاقات الاجتماعية مثلما تطرق القضايا الوطنية أو تذهب نحو الأدب البوليسي نجد عبدالله عباس فقط وقد عزف عن ذلك كله بلا شعور وبدافع من العاقل الباطن الذي استقى أولى ثقافاته داخل أسرة لها في النضال الوطني باع طويل فكان ذلك بمثابة السور الذي منعه من تجاوز الهم الوني إلى ما سواه.
قد يقول قائل: هذا دليل قصور لدى الكاتب ولكن أثق يقينا أن عبدالله عباس يتجه نحو ما يمليه عليه ضميره وإحساسه الوطني وينقاد لهما طواعية لأنه يرى في ذلك عملا مقدسا وواجبا لابد أنú يقوم به تجاه هذا الوطن الذي أعطى له هذه الشخصية الأدبية الفذة.
البعد الوطني في أعماله اتضح جليا منذ عمله الأدبي الأول الذي نشره عام 2006م وتناول فيها ملحمة حصار السبعين يوما التي بدأتú في 28نوفمبر 1967م وانتهت في 8فبراير 1968م وتم فيها حصار العاصمة صنعاء بواسطة جحافل وفلول القوى الملكية والرجعية في محاولة بائسة أرادتú من خلالها إسقاط العاصمة والقضاء على النظام الجمهوري والعودة باليمن إلى عهد الرجعية والتخلف.
والأجمل في هذه الرواية أن أحداثها امتدت بين بطليها حتى قيام الوحدة الوطنية المباركة في 22مايو 1990م وتناول خلالها الروائي مأساة التشطير أيضا لتأتي الرواية ضاجة بالبعد الوطني وصوره المتعددة.
وهذا يعني أن الإرياني ممسوس بهذا الداء اللذيذ حتى النخاع فهو لا يكاد ينفك عن قضية وطنية حتى يدخل بأخرى.
وهذه الرواية وإنú كانتú قد بدأتú بتناول ملحمة السبعين يوما لكن أحداثها التي دارتú على لسان بطليها: محمد وثريا قد كشفتú لنا عن فترة زمنية من عمر اليمن مليئة بمآسي التشطير وما رافق فترة التشطير من اغتيالات للرؤساء وشتات للأسر اليمنية التي عانتú الويلات في ظل انقسام الوطن الواحد.
وقد تطرقت الرواية لأهم القضايا العربية في حينها والتي امتدت من أواخر الستينات وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي وفي مقدمة ذلك الصراع العربي الصهيوني وما نتج عنه من اتفاقية كامب ديفيد التي أحدثت شرخا كبيرا في جدار الوحدة العربية والعلاقات الحميمية بين أقطار الوطن العربي الواحد.
لذا فهي بحق رواية وطنية وقومية من الطراز الأول. ولعل الله يمن علينا بوقت كاف نقف عندها بقراءة نقدية منفصلة تنصف هذا العمل الأدبي المتميز والذي تفتقر لمثله المكتبة اليمنية في الوقت الراهن.
في عمله الأدبي الثاني الذي هو روايته التي عنونها بـ(الصعود إلى نافع) دخل عبدالله عباس الإرياني في أعماق القضية الوطنية وتناول فيها أهم وأول حدث وطني على مستوى اليمن بل والوطن العربي وهي ثورة 1948م التي جاءت متكاملة من حيث أن لها دستورا واضحا وأهدافا محددة سلفا وقيادة متوافق عليها من قبل أهل الحل والعقد في اليمن حينها. وهو ما افتقرتú إليه كل الثورات العربية المجايلة لها والتي أتت بعدها في مختلف الأقطار العربية. ما يعني أن اليمن كان لها الريادة في تفجير ثورة ذات ملامح واضحة. والأجمل من ذلك أن من قام بها هم نخبة هذا الشعب من أدباء ومفكرين وعلماء وقضاة.
ورواية (الصعود إلى نافع) تناولتú هذه الثورة بما رافقها من مآسي وقتل وتشريد للثوار وركزتú حتى من خلال العنوان على الجانب الأكثر وحشية في تبعات هذه