عام التعليم يبدأ بقتل التلاميذ
د. محمد حسين النظاري
من المفارقات العجيبة التي تحمل كل التناقضات ما تم إعلانه من قبل حكومة الأخ خالد بحاح من أن عام 2015م هو عام للتعليم في اليمن وبين ما جرى عصر الثلاثاء 16 ديسمبر 2014م بمدينة رداع بمحافظة البيضاء حينما تم تفجير حافلة طالبات مدرسة الخنساء وهن عائدات من المدرسة إلى بيوتهن.. بين الإعلان والفعل لا يفصلنا سوى 14 يوما كانت كفيلة بإزهاق 30 روحا بريئة من صغيرات السن لا ذنب لهن إلا أنهن انتفضن على واقع مدينتهن المر “رداع” ورحن يدرسن فيما البقية في المدينة بين صراع من أجل الحياة لا يدري في آخر اليوم من يعيش أو يقتل.
ما حدث في رداع جريمة ولا أبشعها من جريمة تكاد تكون الأشد عنفا وإيلاما وغدرا في تاريخ الصراع اليمني كون المستهدفات هن زهرات عادئدات من محراب علم لم تكن إحداهن تتوقع أن يكون مصيرها سيارة مفخخة تودي بحياتها فما بالنا وقد أودت بكل من في الحافلة.. عندما سمعت صوت الانفجار اهتز بيتي من شدته فخرجت للشارع فإذا بسيارات عديدة تقل جثثا لأطفال تصوروا معي المشهد الدامي وأجسادهن تلتصق بدفاترهن واختلط الدماء بالحبر مكونة مزيجا من المأساة التي لا توجد إلا في مجتمع فقد أبسط مقومات الآدمية.
سيارات الشاص تحولت من نقل الركام والمخلفات إلى مكان يحوي جثثا طاهرة سهرة ليلة الإثنين تذاكر وإذا بها تقتل في عصر اليوم الموالي مستشفيات رداع اكتظت بالجثث المنقولة إليها وبالحالات الحرجة التي قد تزيد من عدد الشهيدات كان المنظر مأساويا لا يمكن وصفه بل يشاهد لمرة واحدة ليجعلك تقطر دما بدل الدموع.
إن ما يحدث في رداع من قتل بنات المدارس ينذر بأننا انغمسنا في المحظور وأصبحنا كلنا شركاء فيما يحدث بدءا بالسلطة وانتهاء بالمواطن.. صحيح أننا نحمل القاتل المجرم نتيجة ما يحدث لكن ذلك لا يعفينا من المسؤولية كوننا جميعا مشتركون في قتل دولتنا ولا عجب من أن يطالنا بعض ما فعلناه بها.
ماذا يريدون هل يريدون تجهيل الشعب فقتل الطالبات في مجتمع كرداع تمرد على كل ما كان عائقا بين الفتاة وتعليمها فمعظم طلاب المدارس هن من الفتيات في الأساسية والثانوية حتى في كليتي التربية والعلوم برداع جل المنخرطات هن من الفتيات وهذا دليل على ارتفاع نسبة الوعي لدى القبيلة في إرسال بناتها لتتعلم ولكن مثل هذه الأعمال الإجرامية الغادرة هي الطريق الذي يقطع تعليمهن على اعتبار أن سلامتهن أهم بكثير من تعليمهن من وجهة نظر أهاليهن وهم في هذه الحالة محقون في ذلك.
عندما شاهدت الجثث تبادر إلى ذهني وقع الصدمة على أهاليهن وتذكرت كيف لو كانت ابنتي رغد التي تدرس في إحدى مدارس رداع بينهن هو شعور كل أب وكل أم شعور لا يمكن وصفه بل يكفي الإحساس به وهنا نتساءل أليس لمنفذي هذه العمليات بنات صغار يحبهن ويتمنى لهن الصحة والعافية¿¿ أليس لديه أخوات ولا أمهات ألم يفكر بمدى الألم والحزن الذي سيتركه في محيطه بل في المجتمع اليمني بأسره.
أنا وكل الذين يعملون في جامعة البيضاء من الكادر الأكاديمي والإداري نحمل أرواحنا على أكفنا ونغامر من أجل أداء رسالة التعليم السامية لم تمنعنا حالات الاختطاف التي طالت ثلاثة من زملائنا الدكاترة في الجامعة والحمد لله أنهم عادوا سالمين بعد أشهر من اختطافهم ولم يكن بينهم وبين الموت سوى لحظات وقد يكون هذا مصير غيرهم من زملائنا كذلك بل قد يكون مصيرنا هو ذاته.
نريد أن نعرف ما هو الذنب الذين اقترفناه ككوادر أتينا لتعليم أبناء المنطقة بل ما ذنب طلاب وطالبات رداع الذين تحدوا واقعهم الأمني السيئ وراحوا يخاطرون بحياتهم يوميا من أجل اكتساب العلم.. ما ذنبنا جميعا¿¿ وهي رسالة نوجهها للسلطات المختصة متى ستقومون بواجباتكم¿¿ فمثلا نحن ككادر في الجامعة أو تربويون في المدارس نواظب على الدوام في ظل هذه المخاطر ونأمل أن تتجاوب الدولة مع الاعتراف الأخلاقي بهذا الوضع ومنحنا بدل مخاطر وبدل ريف وإلا لن تجد مدينة رداع بعد ذلك أي كادر تدريسي في الجامعة أو المدارس.
المجتمع المحلي من سلطة محلية وأعيان وواجهات وقبائل تقع عليه مسؤولية كبيرة في إعادة الأمور إلى نصابها من خلال جعل مدينة رداع مكان للتعايش السلمي فهي تتسع للجميع شريطة الانصياع لقوانين الدولة.
نتمنى أن نشهد في المستقبل إبعاد الكوادر التعليمية والطلاب عن الصراعات الحادثة في البلاد فهذه الفئة لا ناقة لها ولا جمل فيما يحدث بل للأسف الشديد يتم استخدامها كوقود مع أنهم في الأساس هم الشمعة التي تحترق ليستمر قطار التعليم مستمرا في هذا البلد الحبيب.