النخبة قد تنسى أنها نخبة!!

فتحي الشرماني


 - أن تكون نخبويا فهذا بحد ذاته مسؤولية وأمانة, نعم هي أمانة في رقبتك للجمهور, بأن تؤدي واجبات هذه النخبوية ومسؤولياتها بحق وحقيقة, ذلك أن على الإنسان
أن تكون نخبويا فهذا بحد ذاته مسؤولية وأمانة, نعم هي أمانة في رقبتك للجمهور, بأن تؤدي واجبات هذه النخبوية ومسؤولياتها بحق وحقيقة, ذلك أن على الإنسان النخبوي تذكر حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن باله, وهي أن النخبوية صناعة جماهيرية, إذ لا يكون الشخص نخبويا بإمكاناته وقدراته الذاتية أو المادية فقط, وإنما قبل ذلك بوجوده في وسط اجتماعي يتفاعل معه ويعرض عليه إمكاناته التي لا يملكها الكثيرون, ومن ثم يتحصل بمقتضى هذه الإمكانات على النخبوية, فلو أن أحدا من النخب السياسية أو الثقافية أراد أن يعيش بمفرده في صحراء مقفرة فهل سيظل نخبويا¿! بالتأكيد لا.
أرمي من هذا الكلام إلى القول: إن نخب اليوم تعزل نفسها جسديا ونفسيا عن المجتمع الذي يمنحها درجة النخبوية لأنها تستبدل هذا المجتمع بمجتمع بديل هو (مجتمع النخبة), هذا المجتمع الذي تصبح ملتزمة له وفيه تتهيأ نفسياتها للتنافس المحموم والصراع, متناسية أنها نخبة تتأثر بسلوكياتها كل التفاصيل في هذا الوطن.. فهي تتصارع وتتوغل في الصراع ويصيب الجمهور شرر من هذا الصراع ثم يتطور الأمر إلى أن يشارف هذا الجمهور على الاحتراق, وتلحق به كثير من المآسي, وفي كل ذلك تجدها نخبا غير آخذة هذه القضية بعين الاعتبار, وكأن الجمهور ما وجد إلا لينجذب إلى هذا القطب أو ذاك, وليس له إلا أن يكابد الهموم والأزمات (حتى يتفق الكبار) ولو بعد عقد أو عقدين من الزمن.
ومن المجحف أن تصبح حاجات الملايين ومتطلباتهم وأحلامهم مرهونة بالحلول التي تبدو في كثير من الأحيان صعبة التطبيق, وبالتالي يصبح مجيء الاحتقان السياسي كأنه حدث يقتضي توقف الحياة .. ففي ظل هذا الاحتقان يتلاشى الأمن ويتضعضع الاقتصاد الوطني .. يتوقف كل شيء مطلوب إنجازه ويعم الشعور بالضياع .. تتوقف عجلة التنمية .. تتسرب كثير من الكفاءات بحثا عن وطن مستقر .. تفر كثير من رؤوس الأموال بحثا عن بيئات صالحة للاستثمار .. تنشط عصابات الفساد المالي والإداري .. يصبح القانون أبعد ما يكون عن اهتمامات المسؤولين .. تتوقف كل برامج التطوير في المؤسسات الحكومية .. يصبح العمل في هذه المؤسسات بمثابة إسقاط واجب, إذ تمارس مهامها بأقل جهد في حين تبقى الميزانيات التشغيلية هي نفسها, وكأنها الشيء الوحيد الذي لا يقبل بالتأثر في هذا المشهد المأزوم, وربما ظلت الحكومة وما ينضوي تحتها من مؤسسات تنفق على مظاهر الرفاهية كما لو أن الوطن لا يعيش أي أزمة.
المهم أن كل مرتكزات النماء والنهوض والتصحيح لابد أن تتأثر بما يحدث في الوسط النخبوي, في حين تجد كثيرا من شخوص هذا الوسط غير مكترثة بكل ما يترتب على خلافاتهم من انهيارات وخسائر واضمحلال يعم كل شيء, بل إن هذه الشخوص تتصرف وكأن الجمهور في أزهى عصوره, وليس بانتظار لحظة انفراج حقيقي تجري على إيقاعه عملية تطبيع الحياة وإصلاح مظاهر الخلل واستئناف العمل الدؤوب من أجل تعويض الناس عما حرموا منه.
هنا نعود إلى ما بدأنا به, وهو أن الوصول إلى لحظة الانفراج الحقيقي يقتضي ضرورة أن تعي النخب السياسية مسؤولية نخبويتها أمام الجمهور الذي يمنحها خصائص كثيرة مثل توجيه الناس أو الإنابة عنهم وإدارة شؤونهم, ومتى تشعر النخب بهذه المسؤولية فإنها ستصنع الحلول وتلتزم بها, وبدون ذلك تبقى الأزمات في توالد مستمر, والوطن في ضياع دائم.

قد يعجبك ايضا