السياسة الدينية والدول العلمانية
عرض/ خليل المعلمي
إن كتاب “السياسة الدينية والدول العلمانية” عبارة عن حصيلة عديدة من سنوات العمل والجد حيث تمتد جذور البحث إلى مطلع التسعينيات من القرن الماضي حينما كان المؤلف “سكوت هيبارد” الأستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة دي بول بولاية إلينوي والأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة يتابع السياسة الإسلامية من داخل المعهد الأمريكي للسلام وكانت هذه الفترة الزمنية تحديدا في (1992- 1997م) هي التي تكشفت فيها العديد من الأحداث الوارد ذكرها في هذا الكتاب حيث شهدت تصاعدا حادا للعنف الإسلامي داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومنطقة جنوب آسيا نتيجة عودة المجاهدين السابقين من الحرب التي كانت تدعمها الولايات المتحدة في افغانستان إلى ديارهم واستكمال الجهاد داخلها.
ويفحص الكتاب الذي ترجمه للعربية الأمير سامح كريم والصادر عن سلسلة عالم المعرفة في يونيو 2014م ذلك الاتجاه الذي منح استحضار التفسيرات الرجعية للتقليد الديني المسؤولين بالدولة أساسا ثقافيا لمطالبهم بتولي الحكم ووسيلة فعالة لحشد المشاعر الشعبية وراء الأنماط التقليدية الخاصة بالتسلسل الهرمي الاجتماعي والسياسي وذلك في ثلاث مجتمعات استبدل فيها بالالتزام بالأعراف العلمانية نماذج محدودة للسياسة الدينية وهي مصر والهند والولايات المتحدة الأمريكية وترتبط نقطة البداية في رحلة هذا الكتاب بذلك التساؤل: لماذا كانت التفسيرات المحافظة أو الرجعية للدين شائعة للغاية وفعالة إلى هذا الحد في سياسة ثلاثة مجتمعات علمانية على نحو ظاهري¿
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: يمكن العثور على الإجابة داخل ثلاثة موضوعات متصلة بعضها ببعض: أولا يعتبر الدين جزءا مهما من تكوين الهويات الجماعية ولذلك فهو يمنح قاعدة مهمة للتضامن الاجتماعي والحشد السياسي ونتيجة لذلك فقد كان الدين أداة جوهرية بالنسبة إلى الخطاب المعاصر للقومية الحديثة وأمور أخرى متفاوتة تتعلق بالطائفية السياسية وثانيا يوفر الدين إطار عمل معنويا لتفسير السياسة الحديثة والتعبير عن الغرض الجماعي بمعنى آخر فإن العناصر القياسية والتقليدية للدين هي التي تجعله مرتبطا بالحياة السياسية الحديثة وأخيرا فإن المسؤولين بالدولة جنبا إلى جنب العاملين في مجال السياسة قد تلاعبوا على نحو متسق بمثل تلك الهويات والأكثر من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية أنهم وجدوا الفائدة من الترويج لتفسير محافظ للدين كأساس للشرعية الشعبية.
ويهدف المؤلف من دراسته في الثلاث الدول إلى غرضين أولهما السعي إلى توضيح الرواية فهي تعيد فحص السياسة الدينية لكل من مصر والهند والولايات المتحدة الأمريكية وتلقي الضوء على عناصر السجل التاريخي التي قد تكون غير معروفة أو مغفلة باعتبارها شاذة فعملية تشجيع الدين الرجعي بواسطة المسؤولين بالدولة تعد ظاهرة متغاضى عنها على نحو كامل ومع ذلك فهي محورية فيما يختص بفهم الظهور الجديد للسياسة الدينية طوال العقود الحديثة أما الغرض الثاني هو توفير إطار عملي نظري أكثر دقة لمصلحة تفسير السياسة الدينية الحديثة.
والكتاب يحتوي على سبعة فصول يشرح الأول “تفسير السياسة الدينية والحديثة ارتباط الدين المستمر بالحياة والمؤسسات السياسية الحديثة وتكمن الحجج الرئيسية لهذا الفصل في حدوث السياسة الدينية في إطار السياق الايديولوجي للدولة القومية وأن الدين يعتبر متشابكا على نحو جوهري مع الهويات الوطنية أو الطائفية ومن ثم لا تعكس الايديولوجيات الدينية (والمذاهب الأصولية) عودة إلى التقليد في حد ذاته ولكن على العكس فهي تعكس البناء الايديولوجي للتقليد لمصلحة سياق حديث.
أما الفصل الثاني هو أول الفصول التجريبية حيث يرصد المؤلف نشأة القومية العلمانية داخل مصر والسقوط اللاحق لها ويكمن الرئيسي للفصل في الصراع المستمر منذ زمن بعيد حول ما إذا كانت الرؤية العلمانية للنظام الاجتماعي سيطرة داخل مصر أم هل يقوم الدين –الإسلام على وجه التحديد- يحكم كل من الدولة والأمة.
فيما يبحث الفصل الثالث في التبعات التي ظهرت على الأمد البعيد نتيجة السياسات التي وضعها السادات فعلى الرغم من قيام عبدالناصر بتشجيع رؤية متحررة للإسلام أصبح هناك تفسير أكثر رجعية منتشر تحت حكم السادات وهو الذي صاحبته رؤية محدودة للحياة الاجتماعية ساهمت في وصم الأقلية المسيحية القبطية داخل مصر وتشويه سمعة الأعراف العلمانية وترسيب رد فعل عنيف ضد التقدم المجتمعي الذي أمنه وجود المرأة.
ويناقش الفصل الرابع صعود العلمانية التي أسسها نهرو في أعقاب استقلال الهند وسقوطها وأحد الخصائص المركزية لهذه الحالة هو الأسلوب الذي اتبعته التفسيرات المختلفة للدين لإرشاد الرؤى المتنافسة للسياسة والأمة من زاوية تاريخية.
أما الفصل الخامس فقد ركز على نشأة التوترات الطائفية وتطبيع القومية الهندوسية واتخاذها خطابا ايديولوجيا على الرغم من فاعلية تلاعب حزب المؤتمر بالسياسة الديني