مصانع غير مرخصة بيئيا تتجاهل شروط السلامة
تحقيق – صقر الصنيدي

يحاول عبدالقادر الصلوي (54 عاما) العامل في مصنع إسمنت عمران خفض سعاله المتواصل خشية إيقاظ أحد أبنائه الثمانية الموزعين على غرف المنزل الأربع. لكنه سرعان ما يكتشف أن محاولاته لم تنجح حين يسمع اقتراب خطوات إبنته شفيقة وبيدها كوب ماء.
صبيحة اليوم التالي لا أحد يتحدث في الأمر. لكن نظراته تحمل اعتذارا وهو يتهيأ لاجتياز 1000 متر للإنضمام إلى 1500 عامل في هذا المصنع على بعد 50 كيلو مترا شمالي صنعاء.
حال عبد القادر كحال جيران مصنع الإسمنت لا يستطيعون النوم بعمق بسبب الغبار الذي يتنفسونه طوال اليوم.
ما إن أكملت شفيقة (28 عاما) تعليمها الثانوي عام 2004م حتى أخبرت والدها بأنها ستسافر لدراسة الطب بجامعة دمشق وهو ذات التخصص الذي سبقها إليه شقيقها الأكبر رفيق المتخرج في جامعة صنعاء.
يعالج الشقيقان حاليا المئات من مرضى الجهاز التنفسي المنتشرين حول مصنع الإسمنت الأكبر في البلاد الذي يبث أطنانا من الملوثات منذ إنشائه عام 1981م وفق دراسات تقييم الأثر البيئي وتقييم هيئة حماية البيئة.
تقول شفيقة التي تعمل في مركز ألفا الطبي الخاص القريب من المصنع: «نصف المرضى – المقدر عددهم بنحو 40 حالة يوميا- يشكون من أمراض تنفسية متنوعة تبدأ بالسعال وتنتهي بالتهابات الرئة المزمن».
شقيقها الدكتور رفيق الذي يعمل في عيادة المصنع يؤكد أنه يستقبل في المتوسط 20 حالة مرضية يوميا من العاملين والسكان المجاورين. ويقول: «أعامل جميع المرضى كما لو كانوا والدي لكن المرض لا يعاملهم بذات الطريقة بل يأخذهم نحو فقدان القدرة على التنفس تدريجيا».
مع تقدم العمر تزداد خطورة غبار الإسمنت على الأجهزة التنفسية وعيون السكان القاطنين في محيط تسعة مصانع إسمنت في اليمن (ثلاث منها حكومية). اختار منها معد التحقيق مصنعي «عمران» و»البرح» الحكوميين لقياس الأضرار الناجمة عن السكن بجوارهما.
وتوصل معد التحقيق إلى أن المناطق المحيطة بالمصنعين تشهد أعلى نسب إصابة بأمراض العيون والجهاز التنفسي (خمسة أضعاف عدد المرضى في مناطق بعيدة عن تأثير المصنعين) وفق نتائج استبيان لعينة عشوائية من الأهالي.
ويستمر مسلسل عدم إلتزام مصانع الإسمنت بمعايير الحماية البيئية جراء ضعف دور هيئة حماية البيئة في إجبارها على خفض التلوث لافتقارها لأجهزة قياس التلوث ما يحول دون إجراء الفحوص الفنية لكمية الإنبعاثات واثبات المخالفة إلى جانب القصور القانوني في تحديد الجهة المناط بها منح التراخيص ومهام الرقابة على مصانع الإسمنت.
هذا الوضع دفع هيئة حماية البيئة للمطالبة في عام 2007م بتعديل قانون حماية البيئة. على أن محاولات تطوير التشريع لم تسفر عن نتائج إذ لا يزال مشروع تعديل القانون قابعا في أدراج وزارة الشؤون القانونية بعد 20 عاما على سنه بحسب رئيس الهيئة التي تهدف من التعديل الحصول «على صلاحيات أوسع واعتمادها نافذة وحيدة لمنح التراخيص».
ويؤكد رئيس الهيئة السابق محمود شديوة أن مشروع تعديل القانون منذ ذلك الوقت في وزارة الشؤون القانونية ومكتوب علي مسودة المشروع: «يرسل إلى الجهات ذات العلاقة لإبداء الرأي». من جانبه لم يذكر وكيل وزارة الشؤون القانونية لقطاع التشريعات د. مطيع جبير سببا لتأخر المشروع. ويقول لكاتب التحقيق: «إذا كانت علاقتك جيدة بموظفي الهيئة أبلغهم الحضور لمناقشة التعديلات المقترحة على القانون».
أرقام مفزعة
مصنع إسمنت عمران ينتج مليون ونصف (المليون) طن سنويا مصحوبة بأطنان من الملوثات تحملها رياح سرعتها 8 أمتار في الثانية «تسمى السرعة الشائعة» وفق دراسة لتقييم الأثر البيئي أعدها عام 2005 الدكتور معتصم الفاضل من كلية الهندسة البيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت وإبراهيم علم الدين المختص البيئي والدكتور محمد المشجري المختص في هيئة حماية البيئة بتمويل الوكالة الأميركية للإنماء الدولي (USAID).
في عام 2009م سجل المصنع أرباحا قدرها 3.8 مليار ريال (14 مليون دولار) انعكست عام 2012م إلى خسائر بمليار ريال يمني (4.66 مليون دولار).
تقدر الدراسة كمية الغبار المصاحبة للإنتاج يوميا بمعدل 1820.3 «يو بي جي» (وحدة قياس لكمية الغبار بالملليغرام في المتر المكعب من الهواء) وهي أعلى بنسبة 364 % عن الحد المسموح به في لائحة قانون حماية البيئة لعام 1995م والمحددة بسقف 500 «يو بي جي».
في دراسة عرضها خلال مؤتمر في عدن في مايو/ أيار 2013 يقدر أستاذ الهندسة بجامعة عدن الدكتور أحمد حنشور بأن ثاني أكسيد الكربون يشكل 40 % من كمية الغازات الناتجة عن صناعة الإسمنت ويعد أكبر عامل مؤثر يسبب الأمراض للعاملين والسكان المجاورين.
(أنظر جدول- 1)
خلال ستة شهور رصد معد التحقيق آثار الت