مرحى يا عراق
أ.د عمر عثمان العمودي
تهتم إيران أثناء الحرب وبعدها بالتعويضات لها ويرفض العراق ذلك ويتهمها بأنها هي التي كانت تصنع التوترات على حدوده وأنها قد قامت بإسقاط طائرة حربية له وأسر قائدها ويصعب في مثل تلك الحرب تحديد الجانب المسؤول بسبب تداخل ما هو خفي بما هو ظاهر وبدأ تحرك العراق العسكري في سبتمبر عام 1980م وربما أراد صدام حسين الاستفادة من مرحلة الانتقال في إيران من النظام السابق إلى النظام الجديد الذي كان في بداية ترسخ قبضته على البلاد ولعله أراد أن يحقق نصرا سريعا يردع به النظام الإيراني ويهز مكانته الدولية وبما قد يتيح له تعديل بنود معاهدة عام1974م لصالح بلاده وفي هذا بعض الوجاهة في الرأي والفكر بشرط أن يكون على ثقة بتفوق آلته الحربية والإدارية وقدرات معاونيه القيادية ومعنويات جنده وبدون ذلك فإن الحرب ستكون مغامرة غير محسوبة وخصوصا أن الحرب إذا طالت فلن يستطيع أحد أن يتنبأ بنتائجها وتأتي الحرب بما لم يكن في الحسبان وقد أستولى الجيش العراقي في البداية على مدينة (خرمشهر) ومناطق أخرى في جنوب غرب إيران غير أن الإيرانيين صمدوا بعناد وشراسة ومع مرور الوقت وسير العمليات العسكرية نجحوا في تحرير أرضهم وتقدموا في بعض المناطق العراقية وسارت المعارك بين البلدين في تقدم وتأخر وفي مد وجزر لهذا الطريق أو ذاك واستمرت أحداثها قرابة ثمانية أعوام وصفها المتابعون والمعلقون العسكريون بالحرب التقليدية الرتيبة والمتخلفة من منطق العصر العسكري المتقدم .
الحرب بين الدولتين لم تكن لها من ضرورة حتمية لو تسلحت قيادة البلدين بالحكمة والعقلانية والتروي لمصلحة الشعبين المتجاورين والشقيقين إسلاميا ودينيا وإذا قيل أن خطط ومؤامرات الغير قد دفعت بهما إلى تلك الهاوية للتخلص من أخطارهما معا فإن المسؤولية الأولى لا تقع على الغير دفاعا عن مصالحه القومية بل إنها تقع على قيادة البلدين نفسهما وقد دفعت الدولتان ثمنا باهضا ماديا وعسكريا وبشريا قدر من قتل أو جرح أو أسر فيها من الجانبين بأكثر من مليون من أبناء الشعبين وقدرت خسائر تلك الحرب المادية بأكثر من (500) مليار دولار تكفي لتعمير البلدين معا واقامة ما يكفي من صروح وكيانات اقتصادية واجتماعية وزراعية وسياسية وصناعية في حدودهما المشتركة ولمصلحة البلدين والشعبين معا على أساس السلام والتسامح والتوافق المشترك والأخوة والرابطة الإسلامية بينهما.
الحرب انتهت بينهما في نهاية عام1988م بعد أن أهلكت الحرث والنسل ولم يتحقق لأي منهما الأهداف التي كان يسعى إليها ولعل العراق هو المنتصر النسبي فيها وقد وقعت الدولتان اتفاقية وقف وإنهاء الحرب بلا املاءات من أحد على أحد وكان الخميني الذي وقع تلك المعاهدة هو المتألم الأول لأن سنوات الحرب أكلت معظم سنين حكمه ومات بعدها ببضعة شهور حزينا ودون أن ينعم بنصر الثورة التي قادها وارتبطت بسمعته الدينية والسياسية محليا وإقليميا ودوليا.
ومن جانب و من ناحية صدام حسين فقد اعتبر نهاية تلك الحرب نصرا مؤزرا له ولنظامه السياسي وبدأ سياسيا وإعلاميا يفخر بما قد حقق وأنجز وخاصة في مجال وقف وردع طموحات إيران في تصدير شعاراتها الثورية الإسلامية إلى الدول المجاورة وإلى العالم الإسلامي وأخذ صدام يفخر بدوره ويسعى إلى الظهور بمظهر الزعيم العربي المحوري والأول في مجال العمل العربي المشترك وفي مناهضة دولة الكيان الصهيوني العدواني التوسعي المزروع في أرض فلسطين المحتلة وفي قلب بلاد المشرق العربي .
ماذا كان على صدام حسين أن يفعل مع شعب العراق المجيد والأبي بسنته وشيعته الذي وقف مع بلاده ومع دولته مقاتلا ومدافعا عن سيادتها وعزتها¿ ما هي السياسات والمواقف التي سار عليها في علاقاته مع دول الخليج العربية التي وقفت معه طيلة تلك الحرب من منطلق دفاعه عن العراق وعنها من خطر وأخطار ثورة إيران الإسلامية الشيعية ومن طموحات زعيمها الديني آية الله العظمى الإمام الخميني¿.