قوادم وخواف 10
أ.د عمر عثمان العمودي
– تطور مسارات ثورة يوليو/ تموز العراقية:
مع سرعة قيام واحتدام الصراع على الحكم والسلطة بين قاسم وعارف حاول عارف وأنصاره القيام بانقلاب على شريكه في الثورة ورفيق سلاحه السابق ولكنه فشل وأودع السجن تمهيدا للتخلص منه لاحقا وقام تمرد عسكري آخر في الموصل بقيادة رفعت الحاج سري وتم القضاء عليه وزادت حملات التنديد بين قاسم ونظامه والزعامة الناصرية وسعى قاسم إلى تحويل العراق إلى مركز وثقل سياسي في المشرق العربي مناهض لمصر وجعل نفسه ندا لعبد الناصر وزعامته العربية ويقدر بعض العراقيين لقاسم العديد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ودوره في تقليص وتمديد نفوذ ومصالح شركات النفط الغربية بالحقول النفطية التي تباشر العمل والإنتاج فيها وهو عندهم كان يعد من أقرب القادة العرب تعاطفا مع هموم السواد الأعظم من الجماهير العربية ولكن مشكلته أنه كان يفتقر إلى جاذبية (كارزما) عبد الناصر ولم يكن خطيبا بارعا أو منطقيا في خطبه وأقواله المثيرة للملل لمن يسمعه.
وفي بداية عام 1963م أطيح به وبأنصاره من الحكم وتم إعدامه وقد قام بذلك الانقلاب أنصار عبد السلام عارف وشاركهم في ذلك وبدرجة كبيرة وفعالة حزب البعث العراقي وعناصره المنتشرون في الجيش والدولة والمجتمع وأعيد الاعتبار لعبد السلام عارف وتولى رئاسة الدولة والحكم لمدة لم تطل كثيرا إذ قتل في حادث جوي وكانت علاقته بالبعث العراقي قد ساءت كثيرا في عملية الصراع على الحكم والسلطة بين الجانبين وقد حاول عارف والبعث إعادة التواصل الثوري الوحدوي مع مصر وسوريا بعد انفصالها عن مصر ولكن محادثات هذه الأطراف لم تصل إلى شيء مثمر وإيجابي بسبب كثرة الخلافات والشكوك المتبادلة بينها وخاصة من جانب القيادات البعثية في سوريا والعراق.
وعندما قامت حرب وهزيمة يونيو 1967م كان الحكم بيد عبد الرحمن عارف ومعه بعض القيادات الناصرية والوحدوية المساندة له ولم تلعب العراق دورا مميزا في تلك الحرب بسبب بعدها النسبي عن ميدان الحرب وقصر مدة عملياتها العسكرية ونجح قادة حزب البعث العراقي في إبعاد عبد الرحمن عارف وأنصاره مثل عارف عبد الرازق واستفرد أحمد حسن البكر بالحكم ومعه بعض القيادات البعثية الشابة والقوية.وفي مقدمتهم صدام حسين وتم وضع حد نهائي لتركة عبد السلام عارف في الجيش والدولة كما تم التخلص من بعض القيادات البعثية المناوئة للبكر وصدام حسين مثل حردان التكريتي الذي طورد بعد هروبه من العراق وقتل في الكويت بعد ذلك.
صعود نجم صدام حسين
كان صدام حسين في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات واحدا من قيادات الحزب الأكبر بالحيوية والبسالة والقوة والجرأة وقد حاول القيام باغتيال عبد الكريم قاسم ولكن المحاولة لم يقدر لها النجاح وهرب على إثرها إلى سوريا ومصر ثم عاد إلى العراق مع سقوط حكم ونظام قاسم وصعد نجمه ودوره في حزب البعث بمواقفه الباسلة وكان مقربا لأحمد حسن البكر وكلهم من منطقة تكريت وكان لصدام دوره المميز في تصفية وإنهاء بقايا أسرة عبد السلام عارف وأنصارها في الحكم وأصبح منذ أوائل السبعينات الرجل الثاني في حكم العراق وهو الذي مثل العراق في معاهدة الحدود السياسية التي أبرمت في الجزائر عام 1974م وكانت أقرب مصالح إيران ومطالب شاه إيران منها للعراق ومصالحه وربما كان السبب في إبرامها حاجة العراق لتهدئة الأوضاع مع إيران وتفرغ العراق لأولويات أخرى عراقية وعربية وفي السنوات الأخيرة من حكم حسن البكر كان صدام حسين هو الرجل الثاني في العراق رسميا والأول على مستوى العمل والتنفيذ وفي عام 1978م تنازل أحمد حسن البكر عن الحكم لنائبه الأول في الحكم وعلى مستوى مجلس الثورة العراقي وأصبح صدام حسين الشخص القوي والمهيب داخل العراق وخارجه هو الحاكم المتفرد بحكم العراق رسميا وفعليا وظل رغم كل التحديات والمجابهات والحروب التي خاضها داخل العراق وخارجه وحتى سقوط حكمه ونظامه في أبريل 2003م ممسكا بزمام الحكم والسلطة بيد من حديد وبلا منازع على مستوى العراق.