جدلية الحب والإرهاب
علي أحمد عبده قاسم

إذا قرأت شيئا من روايات أحلام مستغانمي فإن الذي يأخذك من تلك الروايات اللغة الفلسفية العالية اللغة التي يمكن القول عنها فوق الشاعرية والذاتية لأنها تخاطب الوجدان والذات وتلامس شغاف المتلقي بوصف كل جملة خطاب وتجربة ولأن أحلام مستغانمي الروائية الجزائرية أخذت من الشهرة الكثير بدءا من روايتها (ذاكرة الجسد) إذ تختم المجموعة بالروايتين (فوضى الحواس وعابر سرير) وكنت أقرأ في روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك) والتي صدرت في 2012م عن مطابع نوفل دمعة الناشر هانشيت أنطوان بيروت لبنان 2012م والتي تحاكم فيها الحب كما في مجموعتها الأولى إلا أن هذه الرواية تحاكم الحب والعشق الجديد الذي دخل فيه الوسائل الحديثة الالكترونية وتناولت الإرهاب كتفصيلة مناقضة مع عموم الحب والذي أخذني في الرواية لغتها الرفيعة بأسلوب الروائية الناضج والذي يستمد روحه من الثقافة الواسعة الممزوجة بالثقافة الأوربية خصوصا الفرنسية وسأبدأ بعرض شيء من تلك اللغة التي أصبحت ظاهرة في روايات أحلام لاسيما في المقدمة والتي تعتبر تمهيدا لأحداث الرواية وتمهيدا وجزءا من أحداثها وبنائها وأظن أنها اختزلت الأحداث في المقدمة السردية الغيرية.
ففي رواية (الأسود يليق بك) تقول عن الحب الخاسر “سيف العشق كسيف الساموراي من قوانينه اقتسام الضربة القاتلة بين السياف والقتيل” على الرغم من الصورة التشبيهية والتي تعتبر سهلة إلا أن عمق الأثر في النفس للقارئ يجعلها من أروع المؤثرات العميقة في المتلقي وتردف الروائية “كما يأكل القط صغاره وتأكل الثورة أبناءها يأكل الحب عشاقه يلتهمهم وهم جالسون على مائدته العامرة”.
لعل روايات أحلام تود أن تخفف الحدث الجاف على القارئ وتسلك منهجا جديدا في مقدمة سردية لإبراز المعاناة بصورة رفيعة المستوى حتى تعكس للمتلقي نصا لغويا ممزوجا بتقنية الرواية ولذلك تكون بصمة الكاتبة لها خصوصية وفرادة ولقد قالت في روايتها (ذاكرة الجسد): “إن الكاتب الحقيقي من يجبر القارئ على قلب الصفحة” لأن المقدمة تكمن أهميتها في جذب القارئ والاندهاش لإكمال القراءة لذلك يرتكز الوصف في الرواية خصوصا في المقدمة على استخدام التركيب الجدلي الفارق ليصل بالقارئ إلى حالة من الإعجاب والاندهاش فعندما تصف الشخصية الرئيسية في رواية (الأسود يليق بك) يقول السرد الواصف: “إنها إحدى المرات القليلة التي تمنى فيها لو استطاع البكاء لكن رجلا باذخ الألم لفرط غيرته على دموعه اعتاد الاحتفاظ بها وهكذا غدا كائنا بحريا من ملح وماء” ص22.
استخدام التراكيب الفارقة والجدلية في المقدمة “باذخ الألم كائنا بحريا من ملح وماء” تعطي القارئ المساحة الحقيقية والإثارة السردية لدخول أحداث الرواية مما يحول المقدمة الروائية إلى تقنية محكمة يبدو أن الكاتبة تعكف عليها شهورا لتكون خليقة بتمهيد جذاب للمتلقي وبداية بناء وتأسيس قوي لعالم الرواية.
لذلك كان النص يهتم بالجانب السردي التمهيدي لمدخل مترابط ببقية الأحداث ويهتم بالبناء مما حول النص إلى نص روائي ولغوي بديع فالمقدمة السردية في روايات أحلام مظهرا متميزا لتتكون بذرات البناء العميق سواء في زمن الكتابة أو القراءة المستمرة مما يفضي إلى تكامل فارق فتتحول المقدمة السردية في رواياتها إلى مناقشة مستفيضة للقضية من جوانب مختلفة فهي بهذه الرواية تحاكم العشق والحب العاطفي من كل الجوانب خلافا لمناقشة الحب الثورة في رواية (ذاكرة الجسد) ففي السطور الأولى من الأحداث ناقشت معاناة العشاق من العشق نفسه فكانت صورته كسيف الساموراي وكالقط الذي يأكل أبناءه ليعيش هو فكان الاختيار لهذه الجزئية في المقدمة له بالغ الأثر لتغدو المقدمة الروائية نظاما مترابطا لعلاقات متشابكة يعتصرها الألم والامتداد ومن ثم تناقش المقدمة دخول عالم التكنولوجيا عالم الحب والعشق ونتائجها على العشاق والحب “يوم شاهدها لأول مرة تتحدث في حوار تلفزيوني ما توقع لتلك الفتاة مكانة في حياته فلا سمع باسمها يوما ولا هي كانت تدري بوجوده… كان واثقا أنها لا تتوجه لسواه فما كانت أبهتها إلا لتحديه” ص13.
فكانت هذه الجزئية كبداية حبكة الأحداث تعكس قدرة وابتكار الكاتب في بناء المقدمة الروائية لتكون عتبة سخرت فيها الإمكانيات الروائية لتغدو سياقا لعالم الرواية وأحداثها ليطلع المتلقي على التفاصيل ويلتفت الروائي للعالم العصري حتى يحقق التشعب لعالم العشق والحب “الحب لا يعلن عن نفسه لكن تشي به موسيقاه… وإن الله خلق هذا العالم المبهر كي لا تستطيع أمام عظمته إلا تتحول إلى كائنات موسيقية تسبح في جلاله في تناغم الكون”.
فكأن الترميز اللغوي للمعاناة حيث وصف النص الروائي معاناة العشاق بذبحة سيف الساموراي والسيف نفسه وكان القط رمزا للعشق الأناني وكانت الضحية