السينما اليمنية آفاق .. وطموحات

طاهر علوان


إن موضوع السينما في اليمن من الموضوعات التي تستحق البحث والدراسة لا من حيث الإنتاج السينمائي فحسب بل ومن حيث الوصول إلى صناعة سينمائية باعتبار أن السينما من أكثر الفنون رقيا وتأثيرا في المجتمعات ولما تحتويه من فنون متعددة كالتصوير والإخراج والإضاءة والسيناريو والموسيقى والغناء والرقص والمؤثرات الصوتية وإمكانية التواصل الفعال مع فئات اجتماعية واسعة وقدرة السينما الهائلة على الاختراق والتوغل إلى عمق الحياة الاجتماعية وتوجيه وتنمية القيم والأخلاق والآراء والمفاهيم التي تتلاءم ومتطلبات واحتياجات العصر وتعكس آمال وطموحات وهموم المجتمع وكشف وتعرية الجوانب المظلمة والرواسب المتخلفة في المجتمع وتدعم الثقافة الوطنية الشعبية التي تستلهم الجانب المضيء من الموروث وتعميق آفاق الثقافة الإنسانية بقيمها الحضارية المتطورة وبوسائل العصر ولغته وتقنياته (الصورة والحركة).
وظهور أي نوع من أنواع الفنون أو الآداب في أي مجتمع وفي فترة زمنية معينة يخضع لشروط موضوعية ومادية ومستوى رقي وتطور المجتمع ومتطلباته وحاجاته المادية والروحية وتذوقه الجمالي فالفن بشكل عام محصلة معطيات للوضع الاجتماعي ونتيجة حتمية لتطوره الإنساني. وتعتبر اليمن بما تمتلكه من خصائص طبيعية وموقع جغرافي متميز وتوفر للشروط الموضوعية والعناصر الأساسية المكملة للإنتاج السينمائي من تواجد الشمس المستمر على مدار العام وتنوع التضاريس من بحر بسواحله الذهبية وسهله وجبله وأوديته إضافة إلى تعدد الثقافات المختلفة والرقصات والغناء والتمايز في الملبس والشكل والملامح للإنسان اليمني من منطقة إلى أخرى وتنوع الفن المعماري وجمالية الشكل الهندسي من محافظة إلى أخرى كل تلك المواصفات المتعددة والمعطيات الطبيعية تساعد على التصوير والإنتاج السينمائي وتقلل من تكاليف الانتاج والسفر من بلد إلى آخر بحثا عن تلك المواصفات إضافة إلى رخص القوى العاملة وتكاليف الحياة المعيشية بشكل عام.. تلك المعطيات الطبيعية والمواصفات المطلوبة للإنتاج السينمائي تؤهل اليمن لأن تكون موقعا هاما لتصوير الأفلام السينمائية العالمية. ويعتبر انبثاق المؤسسة العامة للمسرح والسينما بداية على هذا الطريق الطويل والشاق, كما أن إثارة الموضوع دلالة على صدق في النية والمعالجة ويبقى أن نختار الطريق ونسير عليه..
إن أهمية المجال السينمائي خصوصا في هذا العصر الذي يشهد ثورة تكنولوجية في وسائل الاتصال والتي تضخم حجم تأثيرها وتعمق الإحساس بمخاطرها على الخصائص المميزة للثقافة الوطنية.. وقد لخصها عدد من المهتمين والباحثين العرب في غياب مشاركة الفئة المستهدفة بالتغيير – وهم فئة الشباب – هذا الغياب أدى إلى أن تتحول العملية الاتصالية الى عملية تلقينية تسهل مهمة تسريب مختلف الثقافات.. ولا يمكن للعامل الثقافي أن يقوم بدوره إذا لم يتمكن من استخدام هذه الوسائل وتوظيفها لخدمة أهدافه الثقافية الوطنية وتحقيق غاياتها أو على الأقل محاولة الحد من تأثيرها السلبي بتهيئة الخلفية الثقافية والاجتماعية لاستيعابها والتعامل معها تعاملا واعيا وعلميا..
إن التعامل والتهافت على نوعية معينة من الأفلام الهابطة فنيا والتي هي في معظمها ذات مضمون هزيل وخلفيات هدامة ساهمت في تشويه الذوق الجمالي وفتح منافذ للثقافات لا تهدف الى تغيير نمط حياتنا إلى الأفضل بقدر ما تهدف إلى ربطنا بأسواقها وإغراق أسواقنا بمنتجاتها الاستهلاكية وتحاول جاهدة أن تستهجن ثقافتنا الوطنية ومعتقداتنا الروحية, وبالمقابل تجميل واقع مجتمعاتها الذي وصل إلى درجة مذهلة من التطور الصناعي والتكنولوجي.
إن إرساء صناعة سينمائية يمنية مرتبطة بخصائصنا وتعكس واقعنا الاجتماعي وهمومنا الثقافية وتخاطب عقولنا لا غرائزنا مطلب ملح لا يقبل التسويف وإن هذا الهم الوطني منوط بالمؤسسة العامة للمسرح والسينما وبتأسيس نوادي السينما للهواة.. ولكن تعقيدات إنشاء وتكوين نوادي السينما للهواة وضعف الإرادة والمطالبة وبشاعة القهر المستمر لم يـفسح المجال للمعادلة السينمائية الناجحة.
معادلة الإنتاج السينمائي المستمر مدعوما بخريجي نوادي السينما المؤهلة بتقنية الفن السينمائي بجميع مجالاته من إخراج وتصوير وسيناريو ومونتاج وموسيقى تصويرية ومؤثرات صوتية. ولكي يتم ذلك لابد من إعداد الدراسات والوثائق على أسس علمية تشمل تأسيس ورعاية سينما الهواة.. ولفت انتباه المجتمع إلى اهتماماتها ودورها في الحركة الثقافية والاجتماعية إلى جانب نشاطها التكويني والتقني.. إن السند الحقيقي للإنتاج السينمائي هو الكادر المحب والعاشق للفن السينمائي.. الأبناء الشرعيون للفن السينمائي وليس أنصار التخلف والتغريب من المرتزقة على حساب التراث الوطني والإنساني وتدمير المستقبل الفني والقيم الجمالية والثقافة الإنسانية الشاملة الم

قد يعجبك ايضا