إعلام أزمة
حسين محمد ناصر
إعلام أزمة.. مصطلح حديث يتردد كثيرا في وسائل مختصة بنظريات الإعلام التي نشأت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية .. وهو يعنى بأسس مواجهة الأزمات المختلفة الطبيعية منها أو تلك التي يتسبب بحدوثها البشر!!
وفي الوقت ذاته يضع الإرشادات لكيفية التعامل معها بجوانب عدة وشاملة تتداخل مع ما يعرف اليوم بمهام (إدارة الأزمات)!!
وفي حين يؤكد بعض خبراء الإعلام إن (إعلام الأزمة) يجب أن يعمل ويستهدف في نشاطه دراسة طبيعة الأزمة وبالتالي تبصير وتثقيف المجتمع بتفاصيلها.. وشرح أسبابها .. والطرق الكفيلة بالتغلب عليها وإنهائها بشكل إيجابي يرى آخرون أن التكتم على الأزمة ومنع تسرب تفاصيلها وإنكار حدوثها هو أسلوب لا بد أن يتبع للقضاء عليها بشكل تدريجي.
ويبدأ هذه الاتجاه بعد إنكار الأزمة بممارسة التقييم الإعلامي عليها وعدم تغيير أي نمط في الحياة العامة أو الأداء الحكومي (الرسمي بشكل عام) والإيحاء أن الأمور تحت السيطرة ويبدو أن الهدف من ذلك كما يشير أصحاب هذا الأسلوب في مواجهة الأزمات هو (تشتيت) الأزمة.. وإضعافها ليسهل السيطرة عليها!! كما أنهم يرون ضرورة العمل على تأجيل ظهور الأزمة.. والتعامل معها بمختلف الأساليب والإجراءات بصرف النظر عن نتائجها وقبل ذلك بذل الجهود المكثفة لما سموه بـ(التنفيس) والتفريغ من محتواها عبر تقديم واتخاذ مواقف وأحيانا إجراءات تكرس لهذا الغرض وتخفف من صدماتها المتوقعة!!
ولكي يتحقق هذا الغرض وتأجيل المواجهة يتم وضع حلول جزئية للأزمة وإعطاء فرصة للمناورة عبر التفاوض بشكل يضعفها ويعزل قواها والمحركة لها.
كل ما ذكرناه هنا يدخل في إطار الطرق التقليدية لمواجهة الأزمة ومن مفهومين مختلفين أما الطرق غير التقليدية فتتطلب كما يقول الداعون لها (مواجهة علمية) تضطلع بالقيام بهام كوادر متخصصة وواعية من المنتسبين إلى مختلف العلوم إضافة إلى مشاركة ديمقراطية واسعة هدفها القضاء على الأزمة وتجاوز سلبياتها وإفرازاتها الكابحة للتطور والتعامل بكل شفافية عند الحديث عنها ومناقشة أسبابها وعوامل نشوئها واستحضار الحلول الناجحة لها.
وبالنظر إلى هذا المفهوم الذي تتحفظ على نشره وتعميمه كثير من المؤسسات الكبيرة وأعني به مفهوم / مصطلح/ (إعلام أزمة) وما يجري على واقع بعض الدول العربية من أحداث تصل أحيانا إلى (أزمات) يخيل إلى ذهن المتابع أن الأجهزة الإعلامية هناك تتعامل مع تلك الأحداث بواحدة من هاتين الزاويتين:
استخدام وظيفتها وفقا ونظرية إعلام الأزمة.
غياب هذه النظرية كلية عن أدائها ومواجهتها لطبيعة تلك التطورات والأحداث بل عدم اطلاع الكوادر الإعلامية الكبيرة على التفاصيل والمفاهيم والاستخدامات الاستثنائية لهكذا نظرية!!
وبالتالي جاء هذا الكم من التغطيات والتحليلات والتناولات والآراء ليعبر فقط عن قناعات ذاتية لا تمت إلى النظرة العلمية والإعلامية الدقيقة للأحداث بأية صلات الأمر الذي يتسبب بإرهاق عقول وأفكار المتلقين وإدخالهم في زوايا ضيقة من التعصب والانزواء والمواجهة فيما بينهم بدلا من إخضاع الأحداث/ الأزمات/ لأسبابها وحيثيات نشوئها والتعامل معها من منطلق علمي في التحليلات والمقترحات والإرشاد والتوجيه والوعظ والندوات والأحاديث التلفزيونية والتوجه إلى المتلقي بخطاب مسؤول/ علمي/ متزن يغوص في أعماق الأزمات لا بالنقد فقط لمظاهرها وإفرازاتها ولكن بالعرض الشفاف المستند إلى الحقائق عبر خطاب رسمي إعلامي مفهوم يدعو الجميع إلى تحمل المسؤولية بشجاعة والعمل على سد منابع الأزمات وتجفيفها ودعوة كل الأحزاب ومنظمات المجتمع إلى لعب دور مؤثر وملموس على الواقع يحررها من قبضة الروتين والبيات الشتوي وأحلام اليقظة الغارقة بتحقيق الأمجاد عن طريق الخطب والتصريحات والبحث عن المناصب والاستحواذ على امتيازات تفرغ هذه الأحزاب من دورها ووظيفتها ويقطع تواصلها مع إرثها النضالي في مراحل ماضية وتاريخها الذي لا تتوقف عن التذكير به في مناسبة وأخرى وهي تعلم تماما أن الترهل وغياب المقاييس الحزبية في الانضباط وانعدام تواصلها مع أعضائها وندرة تقدمها بمشاريع حقيقية للنهوض بوضع البلاد نحو الأفضل وضعف مشاركتها في الفعاليات التنموية والاجتماعية قد أضعف مكانتها في المجتمع وأصبحت مجرد واجهات ووجاهات لم تعد تسمن ولا تغني من مشاركة فعالة وحضور متميز وأداء حزبي يشار إلى تأثيره بالبنان وسنتناول في يوم أحد قادم مفاهيم الأزمات وإدارتها وفقا والنظريات الحديثة.